مثلت المحاضرة العلمية النقدية التي ألقاها فضيلة الدكتور صالح بن سعد اللحيدان في نادي الطائف الأدبي هذا العام 18-8-1435 منعطفاً حياً تجاه النقد الذي يجب أن يتحرر من رباط الإنشاء والعجلة والعاطفة إلى دائرة الموهبة النقدية الفاعلة. لقد كان موضوع المحاضرة (النقد العقلي للآثار) نقلة نوعية غير مسبوقة في النوادي الأدبية إذ جاءت مضيفة الجديد فيما يحسبه العلماء والنقاد نقلة جديدة بعثت في الروح التحرر من سيطرة الإنشاء وغلبة الخطاب المباشر، ودل على هذا اكتظاظ النادي وما حوله بالحضور، وقد كان حضوراً لافتاً. بدأ المحاضر بتعريف العقل وأنواعه عند العلماء من أهل السنة وكذا عند المعتزلة، وعند الفلاسفة وعند أهل الكلام. ثم بيّن حقيقة العقل ومكان وجوده هل في الدماغ (الرأس)، أو أنه في (القلب)، ثم بين عمل العقل فيما يخص الاستيعاب والتلقي ثم شأنه فيما يخص النقد. فقال: العقل من هذه الناحية على أنواع: أ - العقل المستوعب. ب - العقل المستقري. ج - العقل العميق. د - العقل المركز الهادي. ه - العقل المستشف. و - العقل المستوحي. ز - العقل المدرك الواعي. ثم أردف: (كل هذه الأنواع موجودة لكن كثيراً من العلماء والدعاة والمثقفين ومن يميل إلى النقد لا يعمل إلا بجزء ضئيل وضئيل جداً مما يملكه من العقل أقدره بعشرة بالمئة). ثم قال: (ولهذا أصبح الطرح عجولاً وإنشائياً وعاطفياً، وهناك خلط بيِّنٌ جداً بين: النقد والدراسة العلمية أو دراسة العمل أي عمل أدبي أو ثقافي أو لغوي على أنه نقد وليس بذاك أبداً). وقال: (هذه العقول موجودة لكنها مغيبة بسبب ضعف القراءة أو ضعف الفهم أو حب الشهرة وذيوع الصيت، ولو أن العالم والداعية واللغوي والنحوي والمثقف والكاتب لو أنهم فطنوا إلى وظيفة العقل أصلاً لما تغلب اليوم القلب على العقل وتقدم عليه). وقال: (الكتابة بدأ كل يزاولها وهذه أراها مشكلة، والعلم بدأ كل يزاوله وهذه أراها مشكلة، ولهذا نجد كلاً يكتب وكلاً يفتي وكلاً يقرر وكلاً ينتقد وكلاً يزعم في كلامه كتابة أو علماً أو نقداً أو ملاحظة أنه قد أصاب لاسيما من يغلب على أسلوبه الجرأة والتنظير والإلزام بما لا يلزم). وأردف: (وهذه الطريقة يؤسفني جداً أن من يستعملها ويقوم بها هم كتاب الزوايا والمقالات إلا من قل منهم). وقال: (ولهذا يمر العمر بالإنسان رويداً رويداً دون أن يشعر لأنه مشغول من خلال قلبه، وعاطفته، وهواه، أما العقل العميق المستوعب المستشف.. أما العقل المدرك الفطن الحذر.. أما العقل المركز الهادي العادل فغالب ظني أنه مقفل أقفله صاحبه نتيجة لحياته العجولة التي ينشد من خلالها النتيجة والغلبة حتى إذا لم يرد أحد عليه أو يلاحظ عليه أو يداخله ظن أنه مصيب فيسير على هذه الشاكلة ثم لعله يطرب لنفسه بنفسه فمرة يكتب في الاجتماع ومرة في الشرع والاقتصاد ومرة في السياسة الشرعية والدعوة، ولعله يتجرأ فيقف أمام (الإنترنت) ليحقق ويبحث في مسألة شرعية ثم هو في الغد يرونها في زاويته فيصاب بالاسترخاء اللاشعوري بينما نفسه تلومه أي لوم، وبهذا فقط يغيب النقد بغياب العقل بغياب الشعور بالمسؤولية). كان المحاضر يلقي محاضرته ارتجالاً ويتألم لهذا الأمر المرير مما جعل قاعة النادي والذين يستمعون خارجها عبر المكبرات كأن لم يكن أحد هناك لبيان حال النقد وحال العلم وحال الكتابة. وقد قال: (أعلم أو أظنني أعلم أن بعض الحاضرين من النقاد والعلماء والكتاب قد يضايقهم هذا مني لكن هذا هو الواقع في البلد العربي وهذه مشكلة هي الآن خافية على كثير ممن يزاول الكتابة ولعلهم لن يفطنوا إليها لأنهم أو الكثير يركب قطار العجلة في الكتابة والتقرير والاستنتاج ولأدل على هذا مما يلي: 1 - خلط بين النقد ودراسة الأعمال. 2 - خلط بين النقد والتشفي. 3 - خلط بين اللغة والنحو. 4 - خلط بين التحقيق وإبراز الذات. 5 - خلط بين الآثار والقواعد. 6 - خلط بين الصحيح والضعيف. 7 - خلط بين تحقيق بيان وجه المسألة المطروحة وبين الإلزام بالرأي الأحادي. 8 - خلط بين النقد لبيان الصواب وبين الجرأة الإلزامية. 9 - خلط بين ما يراه المؤرخون وبين ما يراه أهل الصنعة من علماء الحديث في الموقع.. والآثار. 10 - خلط بين طرح العقل والطرح العاطفي المهول. 11 - خلط بين الكتابة العلمية المطبوعة وبين الكتابة الإنشائية. يقول الشيخ صالح وهو من قرناء الألباني في الحديث (وليس بخافٍ على أحد اليوم أنني أنحو باللائمة على بعض المنتسبين إلى العلم من العلماء والدعاة وعلى بعض المحققين للآثار أنحو عليهم باللائمة لما وجدته في كثير من كتاباتهم وخطبهم وتحقيقاتهم من آثار وأحاديث ضعيفة. 1 - مثل 1 موضع مولد النبي صلى الله عليه وسلم. 2 - ومثل 2 تعيين يوم المولد. 3 - ومثل 3 حديث (كما تكونوا يولى عليكم). 4 - ومثل 4 حديث (الأقربون أولى بالمعروف). 5 - ومثل 5 حديث (تباركوا بالنواصي والأقدام). 6 - ومثل 6 حديث (أول ما خلق الله العقل). 7 - ومثل 7 حديث (النظافة من الإيمان). 8 - ومثل 8 حديث (خير الأسماء ما عُبد وحُمد). 9 - ومثل 9 حديث (تركتكم على المحجة البيضاء). 10 - ومثل 10 حديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها). وإذا الإمام الألباني قد بين كثيراً من الأحاديث الضعيفة المنتشرة وسبق المعاصرين له في هذا وأفادت الأمة منه كثيراً. فإن العلامة المحدث اللغوي صالح بن سعد اللحيدان قد بين من خلال هذه المحاضرة وغيرها من كتبه أصول النقد وكثيراً من الآثار الضعيفة، والمواقع التي لم يصح فيها قول يقوم على سند أو أسانيد صحيحة. وكم أتمنى من (نادي الطائف الأدبي) ومن الشيخ نفسه أن يعمد الجميع على جمع وتدوين كلام الشيخ صالح وفتاواه وأحكامه على غرار كتابه (حال المتهم في مجلس القضاء) وكتابه (نقد آراء ومرويات العلماء والمؤرخين)، ليكون مرجعاً يستفاد منه. مداخلات د. ردة بن علوان العيدي الحارثي شكلت المحاضرة منعطفاً لافتاً حيال أهمية العقل في أسس النقد التي يجب أن تكون لا في دراسة الأعمال بل في ذات النقد المقوم للعمل والمقوم لكافة أشكال العلم والأدب. لكن لما كان النقد الحقيقي مفقوداً كما يقول أستاذنا القدير اللحيدان فإننا نتساءل بمثل هذه المحاضرة لينبعث النقد من جديد. أ. سعيد بن فالي الحذيفي قد أختلف مع العلامة اللحيدان بعدم وجود نقد، أختلف معه وذلك لوجود مثل محمد حسن عواد، وعبدالعزيز الرفاعي، وحمد الجاسر، وإن لم يكن نقداً متكاملاً لبناء العمل الأدبي لكنه يدخل ضمن العملية النقدية ولا لوم على اللحيدان فإن النقد يجب أن يتحرر من عنق الزجاجة ليسيح في الهواء (نقداً صحيحاً). الشيخ د. أحمد بن فايع بن جديد الغامدي نعم هو قرين الألباني وما سمعته وسمعه الحاضرون يمثل شهادة قوية على أن الساحة تعج بما لا يسمى نقداً، لكن أختلف مع شيخنا بتقسيمه للعقل إلى سبعة أقسام فقد يصل الأمر إلى أكثر من ذلك (ولا نضيق واسعا) لكن الحقيقة أن الجامعات يجب ان تستفيد من هذه المحاضرة. أ. خلود بنت زيادي الجعيد (أم زهرة) لأول مرة أستمع إلى محاضرة مثل هذه المحاضرة بصفاء ووضوح وحرية مع معلومات ثقيلة وشواهد قائمة. لكن تعليقي على هذه الأحاديث التي ذكرها هذا الإمام كيف غابت عن العلماء والمفتين؟ ولماذا هي منتشرة؟ أ. فوزية بنت ودنان البكر هنا اشكالية.. اشكالية لم أستطع إدراكها بعد وتلك هي (نفي النقد) إنما الموجود فقط (دراسات للأعمال الأدبية) أليس هذا نقداً؟! أليست هذه الدراسات تعتبر بحد ذاتها من النقد؟ أنا لا أعترض أمام مثل اللحيدان لكنه مجرد تساؤل. د. محمد بن رجحان بن عيد القثامي لعل هذه المحاضرة تفتح باباً جديداً ليحصل لنا الآن مثل أحمد شاكر ومحمود شاكر والرافعي والعقاد ومصطفى السباعي، وأنا مع الشيخ اللحيدان أن غالب الكتابات إنشائية وهذه بدورها إذا طغت انعدم النقد الصحيح وساد ما يسمى بالنقد الارتجالي، لكن لعلي وصدره يتسع لمثلي أن الشيخ صالح بالغ في تضعيفه لبعض الأحاديث، فإن حديث (تركتكم على المحجة البيضاء) صحيح وحبذا أن تقوم (هيئة كبار العلماء) أو (المجمع الفقهي) برصد الأحاديث الضعيفة عبر كتيبات تخرج دورياً. أ. سارة بنت ودنان البكر تأملت هذه المحاضرة وتابعت غالب مجرياتها فألفيتها على شكل مختلف عما كان يلقى من المحاضرات سواء في النوادي الأدبية أو الصوالين الأدبية وهذه واحدة يشكر نادي الطائف الأدبي عليها، وهي وإن كانت من النوع القوي المركز المثمر إلا أنها في سياق ما يسمى (بالقاطعة) من حيث القطع في التقرير ذلك أنها جاءت محاضرة عالية القيمة والقدر، لكن شيخنا حين نفى وجود النقد وحين أورد بعض الآثار الضعيفة لم يورد العلاج، ولم يذكر كيفية الخلاص من هذا الخلط، وكيفية وضع الأسس للعلماء والكتاب. 1 - فهل غاب عنه ذلك؟ 2 - أو هل قصد أن هذا يعرف من خلال المعنى؟ مشاهد * حضر الشيخ أ.د صالح اللحيدان قبل بدء المحاضرة بربع ساعة. * أجرت معه القناة الثقافية لقاء مدته (5) دقائق. * اجتمع معه الإعلاميون وكانوا عشرة لكنهم اكتفوا منه بالبسمة فقط والدعاء لهم. * كان الحضور كثيفاً وعدل مسار الطريق الخارجي إلى الشارع المقابل. * قدم للشيخ صالح الأستاذ أحمد الهلالي عضو النادي الأدبي. * بدأت المحاضرة ارتجالا وسط إعجاب الحاضرين. * لم يلحظ على المحاضر خلل لغوي أو نحوي وكان صوته هادئاً مرتباً وفيه حدة. * علق على المحاضرة أ.د. راشد القثامي من جامعة الطائف، ثم د. عبدالله الغامدي، ثم تتالت ثلاثة تعليقات. * استغرب بعض العلماء والنقاد أن تكون هذه الأحاديث ضعيفة، وكيف لم يفطنوا إليها؟ * دامت المحاضرة مع المداخلات ساعة و58 دقيقة.