لا يكتفي الكاتب الفرنسي لورن غونيل بكتابة قصص جميلة، بل يحدّد فئة ونوعية قرّائه، وهي الفئة العمرية بين الثامنة عشرة ومشارف الأربعين، والتي تشمل في الحقيقة ثلاث مراحل مهمة من حياة أي واحد، أولها مرحلة التأسيس لمشروع حياتي، ثانيها المضي فيه والدخول في معترك الحياة العملية، أما ثالثها فهو مرحلة قطف النتائج. في خلال هذه المراحل، قد يحدث ما يؤثر على الشخص فيجد نفسه لا ناجحاً ولا فاشلاً، وقد تصادفه عقبة فيهوي نحو القاع فاقداً السيطرة على نفسه، وهذه هي بالضبط النقاط التي طرحها غونيل في كتبه، والتي جعلته في قائمة الكُتّاب الأكثر مبيعاً في فرنسا والعالم بعد ترجمته لأكثر من خمس وعشرين لغة. في روايته "ليس المهم أن تعيش" المترجمة مؤخرا للغة العربية والصادرة عن منشورات نوفل (بيروت) ينطلق من مقولة أفلاطونية تقول: "ليس المهم أن تعيش، بل كيف تعيش" متتبعاً حياة بطله "جوناثان" منذ رتابتها إلى إعادة اكتشاف لذاته بسبب حدث عارض كان سيكون بلا معنى لو أنه تجاوزه بلا مبالاة. إذ بالإمكان لجوناثان أن يظل موظفاً في شركة تأمين، يعيش حياة مستقرة ودون معنى، لولا تلك الغجرية التافهة التي اعترضت طريقه ذات يوم موشوشة له أنه سيموت قريباً، فإذا به يدخل في مراجعة حاسمة للذات، مسائلاً نفسه "ماذا حقق قبل أن يموت"؟، ليكون الجواب لا شيء، رغم امتلاكه مواهب ربانية كثيرة كانت لتجعله متألقاً وناجحاً لو استغلّها بشكل أفضل، هكذا يكتشف نفسه من الصفر، ويبدأ حياة جديدة مبنية على شغف شخصي، ناسياً في غمرة نشوته بمذاق النّجاح مقولة تلك العرّافة العابرة. حياة لورن نفسها شبيهة بما يكتبه، فقد درس الاقتصاد بعد أن أحبط طبيب العائلة طموحاته ليصبح طبيباً نفسياً، مدعياً أنه لا مستقبل مهني للطب النفسي في فرنسا، وقد خاض بعد التخرج بدكتوراه من الدرجة الثالثة من السوربون تجربة عمل كمسؤول عن الدراسات المالية في شركة كبيرة، لكنه اصطدم بأزمة وجودية حقيقية مع ذاته خلال مغامرته في حقل الأرقام والصفقات، إلى أن قرّر أن ينهي ذلك الصراع بعملية اكتشاف ذاتية، فعاد إلى العلوم الإنسانية لإحياء شغفه القديم، وتعمّق في علم النّفس والفلسفة، وبحث عن مدارس للتّدرب في الولاياتالمتحدة، وأوروبا، وآسيا، ليصبح مستشاراً في العلاقات الإنسانية، حيث "يكمن جوهر عمله في تحسين العلاقات بين الناس وإيجاد معنى لها"، وهي المهنة التي حققت له نجاحاً كبيراً، قبل أن يصدر كتابه الأول "الرجل الذي يريد أن يكون سعيداً" والذي نقله نقلة نوعية، حقق من خلالها النجاح والشهرة والمال، والحكمة التي خرج بها ناجياً من شراسة المجتمع الغربي الحديث الذي لا يتوقف عن انتقاده بشدة.