في أوائل الأربعينات الهجرية، العشرينات الميلادية من القرنين الهجري والميلادي كان هناك شاب نجدي لا يتجاوز عمره السادسة عشرة خرج من قريته «عنيزة» تلك الواحة الغنّاء في وسط الصحراء، قريته هذه هي عالمه الأول فيها لم يدر بخلد هذا الشاب أنه سوف يخرج من قريته هذه ويتركها، رحل هذا الشاب الطموح النابه مع عمه إلى العراق بعد رحلة طويلة عبر الجمال في قافلة من قوافل العقيلات حطت رحالها أولاً في الزبير ثم في مدينة النخيل (البصرة)، هذا الشاب هو الطبيب الأديب والشاعر ورجل الأعمال حمد بن عبدالله بن حمد البسام - رحمه الله - الذي ما كانت رحلته للعراق إلا استراحة لرحلة كبرى في حياته وتغيير مسار عمره؛ حيث أبحر هو وعمه عبدالرحمن بن بسام إلى الهند وبها كان أبوه رجل الأعمال الشهير عبدالله بن حمد البسام مستقراً في الهند تاجراً من تجار الهند ووجيهاً من وجهاء أهالي نجد، فوصل الشاب إلى والده وهنا بدأت الحياة. كانت أسرة آل بسام وغيرها من الأسر في عنيزة تُعلّم أولادها في المنزل أولاً مبادئ القراءة والكتابة، ولذلك تعلم حمد بن عبدالله البسام في المنزل بعنيزة وقد نشأ بين أسرته وهم والدته وجده وأبناء العمومة، فدخل مدرسة خارج المنزل لتعلم القرآن الكريم وبعدها انضم لمدرسة عبدالعزيز الدامغ وهي مدرسة تخرّج منها الكثير من طلبة العلم والعلماء وأشهرهم العالم المحقق الشيخ محمد بن سليمان البسام - رحمه الله - والشيخ العالم محمد بن عثيمين - رحمه الله -، تعلم في هذه المدرسة وتعلم في المدرسة الكبرى ومنارة العلم والمعرفة مدرسة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن سعدي، وحبب إليه درس اللغة العربية وفنونها من نحو وصرف وأدب وشعر، وأثر هذا الحب بأن أصبح يجيد قرض الشعر العربي الفصيح مع نظمه للشعر الشعبي.أدب وشعر يُعد المؤرخ النجدي عبدالله بن محمد البسام مؤلف «تحفة المشتاق» هو جد الطبيب حمد البسام - جده لأمه -، وتذكر ابنته منيرة بنت حمد في كتابها «رحلة عمر» عن حياة والدها حمد: إن والدها استفاد من مكتبة جده لأمه المؤرخ عبدالله بن بسام، التي كانت مليئة بالمخطوطات والكتب المطبوعة في مزرعته ومنزله المهيرية بعنيزة، فكانت مصدر من مصادر معلومات الطبيب والأديب حمد. وكانت أسرة البسام محبة للأدب والشعر بل هي بيت من بيوت العلم، فضلاً عن أنهم من أوائل التجار النجديين الذين سافروا خارج الجزيرة العربية وأسسوا تجارات في الهندوالعراق والبحرين والحجاز، فهم بيت علم وتجارة وثقافة، ولهم مكانة اجتماعية وجاه؛ فحمد البسام - رحمه الله - الذي هو جد الطبيب حمد المباشر والأول هو أول شخص من أسرة آل بسام يهاجر إلى الهند وكان في السابعة عشرة من عمره. وقد حدثني الباحث الأستاذ منصور بن محمد البسام عن قصته حينما توفى أبوه، وكان هو العائل لأسرته وإخوته وأن أسرته آل بسام جمعوا له مبلغاً من المال لمساعدته فشكرهم على شهامتهم ورفض المبلغ إلا أن يكون قرضا حسنا يرده إليهم، وقد كبر في أعينهم عندما سمعوا من هذا الشاب هذا الكلام الذي يدل على عقلية كبيرة لشاب صغير، وهذا دليل على نبوغه وذكائه، فوافقوا وقرر السفر إلى الهند وتعلم التجارة وعمل مع تجار نجديين في الهند عدة سنوات حتى استفاد منهم الخبرة وذلك في العام 1280ه، وأصبح فيما بعد تاجراً للحبوب والتوابل، وقد عاد لوالدته بالمال والهدايا التي وعدهم إياها وقد سدد ديونه، وجعل كذلك إخوته الثلاثة شركاء له في هذه التجارة ودربهم على العمل التجاري، وإخوته هم المؤرخ عبدالله وعبدالعزيز وعبدالرحمن، وهكذا أصبحت تجارة آل بسام من أشهر التجارات النجدية؛ كله بسبب هذا الشاب حمد بن محمد بن بسام جد الدكتور حمد، وقد ذكرت منيرة البسام هذه القصة. رحلة إلى الهند وكان والد الطبيب حمد رجل الأعمال عبدالله بن حمد البسام مستقراً في الهند تاجراً مثل والده الذي أسس البيت التجاري في الهند، وتبعته - أي حمد جد الطبيب حمد - أسر نجديه كثيرة من عنيزة ونجد، وقد ذكرت منيرة بنت الطبيب حمد البسام تاريخ تجارة آل بسام في الهندوالبصرة بتجارة التمور التي تنقل إلى الهند، وكذلك تجارة الحبوب من العراق، وحققوا نجاحات في هذه التجارة، والمقصود أن الطبيب حمد قرر أن يسافر إلى الهند عند والده - كما تذكر وتروي منيرة البسام عن والدها - اتخذ القرار وسافر مع عمه عبدالرحمن ومنها إلى العراق ومنها أبحرا إلى الهند إلى بومبي المركز التجاري والاقتصادي والمالي للهند، وذلك في العام 1344ه 1925م، وكان الوقت شتاءً وكان عمره السادسة عشرة مثل عمر جده حمد البسام حينما وصل إلى الهند في العام 1280ه / 1864ه أو قريبا من عمر جده فاستقبله أبوه وقد أعد له برنامجا للتعليم في المنزل، وكان والده ورجل الأعمال عبدالله بن حمد البسام قد تعلم اللغة الأوردية ويجيد عدة لغات أخرى إجادة تامة، وتعلم حمد في المنزل وبعدها أدخله والده مدرسة نظامية ليحصل على الشهادة الابتدائية وكذلك المتوسطة والثانوية وبعدها انضم إلى كلية سانت زافير وتخرّج فيها، ثم دخل كلية الطب - وهي كلية الملك إدوراد الطبية - وهي تابعة لمستشفى الملك إدوارد السابع في بومبي، وتخرّج من الكلية في العام 1363ه / 1943م، ليتخرج كأول طبيب نجدي. طب وتجارة وقالت السيدة منيرة بنت حمد البسام في كتابها «رحلة عمر»: اجتاز الدكتور حمد بعد ذلك «التخرّج من الطب» تصريح مزاولة مهنة الطب في الهند بتاريخ 6 ديسمبر 1944م وبدأ العمل في المستشفيات الهندية خصوصاً خلال الحرب العالمية الثانية، وهكذا وجد نفسه بين مسؤوليتي الطب والتجارة، «وأبوه قد توفى، فأخذ يتدرب ويعمل في المستشفيات الهندية صباحاً ثم يعود مساءً إلى المكتب التجاري للعائلة لإنجاز الأعمال، وكان شغوفاً بالطب وحياة الأطباء حيث تتبع الهند آنذاك بشكل عام وبومبي بشكل خاص الأنظمة والمعايير البريطانية الصارمة وبسبب الحياة العملية المزدوجة اكتسب خبرة كبيرة في الطب والتجارة.. - انتهى كلام السيدة منيرة البسام -. وهكذا كان البرنامج اليومي لحمد البسام في الصباح طبيبا، وفي المساء تاجرا ورجل أعمال، وتاجرا استطاع بمهارته وحسن تصرفه وحنكته أن يوفق بين هذين العملين اللذين كل واحد منهما يحتاج جهداً كبيراً وتفرغاً كاملاً، ونفسا تتحمل المتاعب، فالطب وحده عمل شاق وكذا التجارة، لكن من توفيق الله - عز وجل - للطبيب ورجل الأعمال حمد البسام أن جمع بين هذين العملين الكبيرين. علاج المرضى وكان حنين الدكتور الطبيب حمد البسام إلى عنيزة يسوقه دائماً إلى زيارتها مع كثرة انشغاله بالطب والتجارة بالهند، وكانت هذه الأمور لم تشغله عن زيارة عنيزة، وحينما كان طالباً وتلميذاً في المدارس الهندية وفي كليات الهند كان يزور عنيزة في الإجازات، لكن هذه المرة زارها وهو طبيب مارس مهنة الطب في الطب الباطني والجراحة وأحبه وعشقه، ولمزاولة الطب أحضر معه أدوات الطب، وقد كان أهالي عنيزة يأتون إليه في عيادته في عنيزة - كما تذكر ابنته منيرة البسام - فكان يعالج هؤلاء المرضى من دون مقابل تبرعاً منه - رحمه الله -، فلم يكن ممن اتخذ الطب للتجارة واستغلال ضعف الناس، بل جعل مهنة الطب التي هي من أشرف المهن في خدمة الناس، هنيئاً للطبيب حمد على هذه الإنسانية الراقية الخيرة التي تريد الثواب والأجر من الله عز وجل. وتذكر ابنته منيرة أن والدها الطبيب حمد يزور المرضى في منازلهم في عنيزة لمن لا يستطيع الحضور إليه في منزله الذي اتخذه عيادة، ومع عدم وجود مختبرات وأجهزة أشعة إلا أن التشخيص كانت دقيقاً، وقد كتب الله على يديه شفاء كثير من المرضى في عنيزة على مختلف أنواع المرض، فكانت زيارته هذه فألا حسنا على أهالي عنيزة لأول طبيب من أهل عنيزة بل أول طبيب نجدي. وتروي السيدة منيرة البسام عن والدها الطبيب أنه اضطر للمساعدة في توليد امرأة تعسرت ولادتها في غرفة مظلمة وقد نجّى الله تعالى هذه المرأة من الهلاك على يد الطبيب الإنسان حمد. توعية صحية لم يكن الطبيب الإنسان حمد مقتصراً على علاج المرضى بل تعداه إلى التوعية الصحية للأهالي وخصوصاً توعية النشء والتلاميذ في المدارس، حيث بدأ بسلسلة من التوعية الصحية بأسلوب سهل ومفهوم يفهمه كل مستمع، ويحث التلاميذ على تعلم اللغة العربية والإنجليزية والعلوم الحديثة من رياضيات وكيمياء وأحياء ومواصلة التعليم، وكما أنه أديب وقارئ للأدب العربي والعالمي، كان يتكلم عن هذين الأدبين، ومن ذكريات الطبيب حمد أنه ساهم في إنجاز أول «تمثيلية طلابية» قام بالأدوار التلاميذ - كما تروي ابنته منيرة - فكانت زيارات الطبيب حمد لعنيزة إسهام كبير في المجال الطبي العلاجي والوقائي والتوعوي، بل في دعم حركة التعليم فيها والنشاط غير المنهجي، ومن جانب آخر فإن الطبيب حمد عرضت عليه مناصب قيادية في المملكة قبل أن يستقر فيها لها صلة بالطب إلا أنه امتنع. جالية عربية بالهند وكان الطبيب حمد البسام - رحمه الله - من المشاركين في كل مناسبة تقيمها الجالية العربية في الهند، بل من القياديين للإعداد لهذه المناسبات من حيث زيارات ملوك ورؤساء ووجهاء العالم العربي، وقد كان الشيخ المحسن البار محمد على زينل - رحمه الله - قد وطد العلاقة بين الجالية العربية والإسلامية والحكومة الهندية بعد الاستقلال من بريطانيا، وحينما تأتي هذه الزيارات يكون الطبيب حمد البسام الذي يستقبل أبناء الجاليات العربية الزائرين والمعد لهذه المناسبات، وكانت شخصية الطبيب جذابة لمن عرفها ومريحة لمن جالسها، نفسه طيبة دائم الابتسام والبشاشة لمن حوله - كما أخبرني الباحث منصور البسام - فحمد البسام هو أخ لوالدة منصور من الرضاعة فكان يزورها في مكة ويراسلها في الأعياد برسائل فيها أبيات شعرية وطرائف مسلية، وأحاديثه ممتعة حينما يتحدث، فكان واصلاً للرحم متواضعاً مع كل الناس، وقد اشتهر في الهند كشخصية ذات وجاهة ومكانة بين الجالية العربية الإسلامية. واستقر الطبيب حمد ورجل الأعمال في الهند منذ 1344ه / 1925م، لم يتركها إلا لزيارات لعنيزة والرياض ومكة، وكان بالغ الاهتمام بتعليم أولاده؛ حيث أدخلهم المدارس مع تعليمهم وتربيتهم على يده المبادئ الإسلامية والمحافظة على الصلاة حتى أثناء الدراسة. شاعر وأديب وبما أن حمد البسام الطبيب قد قرأ كثيراً في الأدب والشعر منذ الصغر في مكتبة جَدَّه المؤرخ عبدالله البسام فلقد كانت هذه الحصيلة جيدة، وكانت أخته حصة البسام وهي تقرض الشعر دور في صقل موهبة أخيها حمد - كما تذكر ابنته السيدة منيرة - ويحفظ من الشعر العربي جملة صالحة، ومن الشعر النبطي، وقد نظم قصائد لكن هذه القصائد لم يحتفظ بها الشاعر حمد، وحينما توفي لم يجد أولاده شيئا يذكر من هذه القصائد، ولو حفظها لكانت ديواناً، وكان من وفائه لأخته حصة البسام أن نظم فيها قصدتين، فكان شاعراً نبطياً جيد السبك سلس الألفاظ - رحمه الله -، وقد أثنى على شعره الأستاذ المربي عثمان الصالح حينما زار الهند وحصل لقاء بينه وبين الطبيب والشاعر حمد حيث قال: إنه شاعر ذو نفثات لطيفة ويقول أيضاً عن صديقه حمد البسام: أعرفه يوم كنت في مدرسة عنيزة الثانوية في العام 1351ه وهو على وشك التخرج من كلية الطب في بومبي يقضي إجازته في عنيزة عند والدته وأسرته، ولما كانت مدرستنا لا عطلة لها في ذلك الوقت فهو يقوم بالتدريس في مدرستنا، وأتذكر أنه كان يعطينا روايات من إنتاجه نمثلها في حفلاتنا وله في هذه الروايات براعة في التأليف وطرافة في الحوار وفي المعنى، إذاً فالطبيب حمد موهوب في إنشاء القصص والروايات ويملك قلما قصصيا وأدبيا وشاعريا وعنده خيال خصب. لكنه لم يؤلف مؤلفات أدبية وقصصية، ولو ألف لكان تأليفه جيداً - رحمه الله - لكنه لم يتفرع للتأليف، حتى المقالات الأدبية لم يكتب كثيراً سوى لقاءات عابرة في الصحف المحلية. العودة للوطن وفي العام 1388ه / 1968م غادر الطبيب ورجل الأعمال حمد البسام الهند بعدما مكث فيها أكثر من أربعة عقود من الزمن واستقر في الخبر، تلك المدينة الحديثة وظل يعالج كل من جاء إليه أو طالباً المشورة العلاجية، باذلاً العلاج والنصح، سخياً بطبه وخبرته العميقة في الطب في تخصص الباطنية والجراحة متواصلاً مع كل قريب من أسرته وأصدقائه. وقد توفي رحمه الله بتاريخ 20 / 11 / 1411ه عن ثلاث وثمانين عاماً، أسكنه الله الفردوس الأعلى. وقد استفدت من كتاب السيدة ابنته البارة بوالدها منيرة البسام، الذي أطلقت عليه «رحلة العمر» فكان وفاءً منها لوالدها، ونعم الوفاء بتخليد ذكرى الوالد بتوثيقه في كتاب، وأكرر شكري للأخ الباحث منصور البسام الذي أهدى إليّ هذا الكتاب. الطبيب حمد البسام في شبابه رجل الأعمال حمد البسام يزاول تجارته في الهند درس حمد البسام الطب في جامعة بومباي مرثية قالها حمد البسام في أخته حصة نموذج من خط يد حمد البسام رسالة إلى والده من عنيزة إلى الهند صلاح الزامل