برز اسم د. حمد بن عبدالله بن حمد بن محمد بن عبدالعزيز البسام الملقب «أبو نجيب» كأحد أعلام مدينة عنيزة الذين برزوا في علوم الطب والجراحة، كما برع في عالم التجارة والأدب، كما كان لُغوياً بارعاً في علوم اللغة العربية وآدابها، حيث تمكن الدكتور حمد من الجمع بين دراسته في مدينة بمباي ومزاولة أعمال والده التجارية، فعمل بجد ونشاط إلى أن حصل على أعلى الدرجات العلمية، فتدرب وعمل في المستشفيات الهندية، وألمّ بعلوم الطب وأساليب التجارة. وقد هيّأ له والده عبدالله المناخ والبيئة الخصبة لتلقي العلوم والتميز في التخصص، فكان أول طبيب نجدي يشار إليه بالبنان، وبعدما قرر الدكتور حمد العودة إلى بلدته عنيزة بعد رحلته الطويلة التي حصل فيها على مراده ومبتغاه وتعلم فيها صنوفاً وضروباً من العلم والمعرفة وتمرس في الطب والجراحة ساهم من خلالها في خدمة أهل بلدته عنيزة حيث قام بمساعدة المرضى والمعوزين والعاجزين عن العمل، وتقديم العلاج لهم وعلى الرغم مما حفلت به رحلته الطويلة من ظروف وقصص ومصاعب إلا أنه بفضل من الله استطاع أن يجتازها، كما كان لنصائح والده وتوجيهاته دور فيما وصل له ابنه حمد من ريادة في علم الجراحة والطب في نجد كما كان له دور مماثل في تقدمه في عالم التجارة. نشأته وتعليمه ولد حمد بن عبدالله بن حمد بن محمد بن عبدالعزيز البسام «أبو نجيب» عام 1910، في عنيزة، بإقليم القصيم، وانخرط في التعليم منذ صغره فأتقن القراءة والكتابة والقرآن الكريم، وأجاد اللغة وأتقن الخط العربي، ولعشقه لعلوم اللغة العربية فقد اطلع على الفنون العربية المختلفة كالشعر والأدب كما قرأ التاريخ والسير، من خلال وجود مكتبة زاخرة بالمخطوطات الأدبية بمزرعة المهيرية، حتى انه كان شاعرا وأديبا معروفاً ومشهوراً بين أبناء زمانه، وإلى جانب ذلك فقد اكتسب من والده وعميه سليمان وعبدالرحمن الكثير من العلوم والمعارف. وتعود قصة كفاح حمد البسام إلى والده عبدالله، فبعد وفاة الجد الأكبر محمد قرر الابن عبدالله السفر إلى بومباي عام 1907 ليدير تجارة العائلة خلفا لوالده رحمه الله، تاركا خلفه زوجته نورة البسام، وابنته حصة وهي والدة معالي الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل وزير العمل والشؤون الاجتماعية الأسبق، وكان عبدالله يسافر ما بين بومباي وعنيزة عبر البحرين أو البصرة ولما رأى من ابنه حمد براعة اللغة العربية والمعرفة بعلوم الدين وثقافته التاريخية شجعه على الالتحاق به في الهند لاكتساب العلوم الحديثة والاطلاع على الحضارة المعاصرة آنذاك، وسافر حمد إلى الهند يصحبه عمه الأصغر عبدالرحمن، ولم يتجاوز عمره آنذاك ال 15 عاما، وتخلل رحلته العديد من المشاق، حيث انتقل في بداية مشواره عبرة قافلة من الجمال إلى الزبير، والتي تبعد نحو 800 كلم عن عنيزة، وبقي في الزبير لعدة أيام في أحد منازل أسرة البسام، بعد ذلك انتقل إلى البصرة، وبقي فيها نحو شهر كامل إلى أن سنحت الفرصة فغادر البصرة برفقة عمه، بواسطة سفينة بخارية تابعة لشركة الهند البريطانية للملاحة التي انطلقت من ميناء العشار بالبصرة باتجاه كراتشي ثم بومباي، ومرورا بعدد من الموانئ، واستغرقت الرحلة ما يقارب من 15 يوما. جمع مهنتي «الطب والتجارة» بجدارة وخاض قصة كفاح طويلة وفي عام 1935 م وبعد طول المسير وصل حمد وعمه إلى بومباي التي كانت مهوى أنظار وقلوب التجار لما عرفت به من تنوع تجاري وحركة متبادلة في التجارة وتصدير البضائع والمواد التموينية والأقمشة لمنطقة الخليج، فسكن الشاب مع والده عبدالله، بعد ذلك أحضر له والده مدرسا لتعليمه الإنجليزية، تمهيدا لإلحاقه بالمدارس الرسمية الهندية، ثم أنهى الشاب حمد مراحل التعليم ما قبل الجامعي في مدرسة "سانت ماري"، وأجاد خلال دراسته 3 لغات، وكان متميزا عن باقي الطلاب في تحصيله العلمي، ولما رأى منه والده النجابة والذكاء وحصوله على درجات التفوق، ألحقه في كلية "سانت زافيير"، لدراسة المرحلة التمهيدية المؤهلة للالتحاق بكلية الطب، وبعد إنهاء دراسته التمهيدية، التحق بكلية الملك إدوارد الطبية التابعة لجامعة بمبي "King Edward's Medical College" والملحقة بمستشفى الملك إدوارد السابع التذكاري، وكان حمد خلال دراسته يتردد لزيارة أهله وذويه ومعارفه في عنيزة خلال الإجازة الصيفية، وذلك بواسطة البواخر من بومباي وصولا للبحرين، ومن ثم إلى الخبر بواسطة المراكب الشراعية، ثم إلى عنيزة عن طريق البر، وخلال زياراته المتكررة لمسقط رأسه تزوج حمد من إحدى قريباته وهي فاطمة بنت فهد بن عبدالله البسام، التي انتقلت معه إلى بومباي بعد عدة سنوات من الزواج، وهناك ساهم استقراره الأسري في مواصلة دراسته للطب إلى أن تخرج من كلية إدوارد الطبية أواخر الحرب العالمية الثانية عام 1943م، فتدرب واستقر بعمله في المستشفيات الهندية، وحصل على دورات في مختلف التخصصات الطبية، واستطاع الجمع بين وظيفته وعمله، فكان يعمل ويتدرب في المستشفيات صباحا، ويخصص الفترة المسائية لمزاولة تجارة والده، الذي توفي في بومباي عام 1943، وقد اكتسب حمد -أو أبو نجيب كما كان يعرف- الخبرات الواسعة في الطب والتجارة، نتيجة حرصه على النجاح واستشعاره بتحمل المسؤولية، إلى جانب مسؤولياته فلم ينقطع عن هوايته المفضلة في الشعر والأدب، والتعرف على إصدارات دور النشر الغربية من المؤلفات الأدبية والفنون المسرحية التي كانت تزخر بها المكتبات العامة في بمباي. وكان د.حمد البسام حريصاً أشد الحرص على المناسبات التي كانت تعقدها المدارس والجمعيات العربية في مدينة الهند، ومع مرور الوقت وكثرة الضغوطات قرر الدكتور حمد التفرغ للتجارة، دون أن ينقطع عن الطب كليا فكان يستقبل المرضى ويعالجهم خلال قضاء إجازته في القصيم، بل وكان يذهب بنفسه للمرضى الذين لا يستطيعون المجيء إليه، إضافة إلى إلقاء محاضرات صحية وتوعوية على طلاب المدارس، وحثهم على مواصلة التعليم في مختلف المجالات، وبذلك يكون "أبو نجيب" هو أول طبيب نجدي عرفه التاريخ وثق المؤرخون اسمه في هذا المجال كما ذكر ذلك أبناؤه في الكتاب الذي رصدوا ووثقوا فيه حياة والدهم باسم "رحلة العمر". في بلاد الهند بعد وفاة محمد الجد الأكبر للدكتور حمد، اجتمع أعيان عائلة آل بسام لمساعدة حمد جد الدكتور حمد وقدموا له ما يكفيه للقيام بأعمال التجارة وطلب من أعمامه أن يكون هذا الدعم عبارة عن قرض يسدده لاحقا، ولم يكن الشاب البالغ من العمر 17 ربيعا مقتنعا بجدوى الاستثمار الداخلي، فسافر للهند ليعمل هناك بعزيمة وإصرار، ولم تمضِ سوى 3 سنوات حتى استطاع الشاب حمد الاستقلال عن عائلة آل الغانم التجارية التي كان يعمل لديها عندما وصل الهند ومارس تجارة التوابل والحبوب، وبعد مضي سنوات معدودة من ممارسته للتجارة، قام بزيارة إلى والدته وإخوته حاملا الهدايا لهم، وكذلك المبالغ المالية التي اقترضها سابقا من أعمامه وأبناء عمومته بعد وفاة جده وهو في مقتبل العمر، وأثناء زيارته أقنع إخوته الصغار عبدالعزيز وعبدالله وعبدالرحمن وحثهم على السفر للهند وممارسة التجارة وشق طريق مستقبلهم بأنفسهم، فاصطحب معه عبدالعزيز الذي أصبح تاجرا في الهند، ثم لحق بهم الأخ عبدالله، الذي اختار مجال الزراعة إضافة إلى اهتماماته الأدبية والتاريخية، وعندما عاد لعنيزة صقل موهبته باستضافة الأدباء والعلماء والمستشرقين في مزرعته (المهيرية) وأصبح من أبرز مؤرخي نجد للقرنين الثاني والثالث عشر، ولما حققته عائلة آل البسام من نجاحات متتالية في مختلف الأنشطة التجارية وسمعة عطرة وسط تجار الخليج والجزيرة العربية في الهند والعراق، وبلاد الشام، فنالوا بذلك مركزا تجاريا مرموقا ونظير هذه السمعة الطيبة والنفوذ التجاري، فقد استدعى الملك عبدالعزيز رحمه الله آل البسام إلى الرياض، واحتفى بهم، وكانت وفاة الجد حمد في الزبير عام 1906 عن 59 عاما، ودفن بمقبرة الحسن البصري، بعد أن سلك بأبنائه دروب العلم والتجارة وحقق معهم النقلة النوعية لأسرته وأبناء عمومته ودلهم وعرّفهم على طرق التجارة ليقوموا بتأسيس البيوت التجارية التي توزعت في أقاليم الجزيرة العربية ودول الخليج العربي. متنقلاً بين الدول لطلب العلم والاطلاع على الحضارات المعاصرة بيت تجاري استقرت عائلة البسام منذ زمن بعيد في مدينة عنيزة، ويعتبر الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن حمد البسام أول من نقل نخيل البرحي من البصرة عام 1893م إلى عنيزة وغرسها في مزرعته لتنتشر بعدها في أرجاء المملكة، وأول من سافر من عائلة البسام إلى الهند هو حمد بن محمد بن عبدالعزيز البسام جد (المترجم له) عام 1863م، وأسس مكتباً تجارياً عام 1891م، ثم تبعه رجال من الأسرة مثل التاجر صالح بن عبدالله البسام الذي نشر شماغ البسام الأحمر في الجزيرة العربية والتاجر حمد سليمان حمد البسام، والتاجر محمد علي عبدالله البسام (المتوفى 1984م) الذي آثر البقاء هو وأولاده في الهند وأصبح من أكبر التجار العرب، ومنهم أيضا في مملكة البحرين التاجر سليمان حمد البسام، والتاجر عبدالعزيز علي البسام وأصبحا من أشهر التجار، وإضافة إلى الجانب التجاري فقد برز من هذه الأسرة عدد كبير من رجال العلم والدين الطب في نجد ونتيجة لرحلة الدكتور حمد البسام الشاقة سواء في حصوله على شهادة علمية لم يسبقه عليها أحد في نجد أو متابعته لأعماله التجارية فقد استحق – عند عدد من الباحثين – أن يكون أول طبيب نجدي في المنطقة، وفي سياق الحديث عن تاريخ الطب في المملكة يجدر بنا الوقوف على بعض المحطات والنقلات النوعية في هذا المجال الحساس والأهم لدى عامة الناس، حيث إن من أهم انجازات المرحلة التي بدأت من عام 1343ه إلى عام 1370ه، صدور بعض الأوامر ببناء عدد من المستشفيات، ومستشفيات الولادة والمستوصفات والمراكز والمحاجر الصحية، وتكوين فرق طبية مجهزة تجهيزاً طبياً كاملاً لتجوب المدن والقرى لتأمين العلاج والتطعيمات اللازمة، كما تم استحداث أقسام متخصصة في المديرية العامة للصحة كإدارة الطب الوقائي وإدارة للمستشفيات وأخرى للمستوصفات، كذلك تم في عام 1372ه إرسال أول بعثة طبية منقولة جواً إلى المناطق الشمالية للمملكة، وكشفت الإحصاءات العامة في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أن عدد المستشفيات العامة كان أحد عشر مستشفى، وخمسا وخمسين مستوصفاً ومركزاً صحياً؛ عدا المحاجر ومكاتب الكرنتينه بجدة وثمانية صيادلة قانونيين، و 49 مساعداً صيدلياً، وسبعين ممرضاً ممارساً ومتمرناً، وتسعين من الممرضين العاديين، وثلاثٍا وثلاثين مساعد مختبر للتحليل والتركيب، وستة وعشرين ممرضاً سياراً ومتجولاً، وستة وثلاثين طبيباً من مختلف الجنسيات، وذلك وفقاً لما ذكره «د. محمد مفتي» في كتابه: «تطور الخدمات الصحية في المملكة العربية السعودية»، أما في مدينة الرياض؛ فبدأ القطاع الصحي عمله من خلال مبنى الطبابة الذي افتتح عام 1351 ه عند باب القرى، وأشرف عليه «د. أحمد ياسين» -الذي يعرفه أهل الرياض آنذاك جيداً ووصل بمعية الملك عبدالعزيز حين عودته من الحج-، وفي عام 1367 ه صدر الأمر ببناء أول مستشفى بالرياض وقد بني من الطين والخشب في موقع المعاهد العلمية بشارع الملك فيصل "الوزير" قرب مسجد العيد آنذاك. وكان حينها حمد البسام يمارس مهنة الطب في مدينته عنيزة إلى جانب عمله في التجارة، وقد كان إنشاء وزارة الصحة في 26/8/1370ه نقطة تحول بين عهدين من ناحية الرعاية الصحية، حيث سبق إنشاء الوزارة وجود دائرة الصحة في الحجاز التي كانت تشرف على عدة مستشفيات في المنطقة، وقد أُعيد تنظيم دائرة الصحة في العهد السعودي عام 1344 ه التي شملت صلاحيات أكثر وسميت دائرة الصحة والإسعاف-، وفي عام 1345ه صدر نظام دائرة الصحة والإسعاف وأطلق عليها مديرية وعادت في مرجعيتها إلى النيابة العامة ونصت المادة رقم «2» من نظامها بتكوين مجلس صحي في مكةالمكرمة، ومن أنظمتها نظام التطعيم ضد الجدري، ونظام الطبابة والصيادلة، ونظام الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية. ونشير هنا إلى أن أول وزير للصحة هو الطبيب السعودي الدكتور يوسف بن يعقوب الهاجري (1338-1396) الذي حصل على الشهادة الجامعية في الطب والجراحة من جامعة فؤاد الأول بالقاهرة وأمضى سنة الامتياز بمستشفى القصر العيني كما حصل على دبلوم الأمراض الصدرية من السويد، ورغم أنه ولد في الأحساء إلا أنه من أهالي ثادق وهو الذي اختاره المغفور له الملك سعود وزيرا للصحة في الحكومة التي شكلها جلالته في عام 1962م. وفاته حرص الدكتور حمد على أن يلحق أبناءه بمؤسسات التعليم داخل المملكة منذ وقت مبكر كما كان –رحمه الله - يؤمن بمكانة الطب الشعبي والإبر الصينية والطب البديل، وكانت له محاولات لخدمة القطاع الصحي في المملكة عام 1380ه لولا اختلاف نظام التوظيف والشهادات بين المملكة والهند على الرغم من حرص الوزير حينها سيفالدين الشيشكلي على تعيينه في موقع يجاري شهادته العلمية المتفوقة، وبعد حياة طويلة من التنقل والارتحال وطلب العلم والتجارة، توفي الدكتور حمد البسام في الحادي العشرين من شهر محرم عام 1411ه في مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية بعد حياة حافلة بخدمة أبناء وطنه وأمته لاسيما حينما كان طبيباً في شبه الجزيرة الهندية رحمه الله رحمة واسعة. حمد البسام -رحمه الله- سليمان عبدالله البسام مع اللواء رفعت باشا نيرن العائدة لمحمد عبدالله البسام على خط دمشقبغداد عام 1921م شهد البسام مراحل تطور الطب والتوسع في الخدمات الصحية في المملكة إعداد - منصور العساف