يؤسفني مشهد بكاءَ أمهاتنا وأبائنا حِين تعلو الأصوات من ابنٌ عاق وفتاةٌ عاقة وقد أمرنا الله في كتابه الكريم بقوله تعالى: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ِارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا". يؤسفني مشهد هجران الأبناء لأبوين كبر بهم العمر وأنهكهم الزمن في تربية أبنائهم وتعليمهم وإطعامهم والسهر على رعايتهم أثناء مرضهم وبعد أن أصبحا كواهل وفِي امسِ الحاجةِ لإبنائهم هجروا أحضانهم قبل بيوتهم وتركوهم في رعاية الخدم. يؤسفني مشهد من ترك أبويه في دار المسنين وهو ينعم في بيته بين زوجته وأولاده وترك أعينهم تبكي حرقةً وقلوبهم تتألم حزناً في انتظار سؤال أو زيارة من قلبٍ أصبح أقسى من الحجر. يؤسفني مشهد ابنة أو ابنٌ يرتفع صوتهم أمام والديهم ونسوا قوله تعالى في كتابه الكريم: "فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" إن العين تدمع والقلب يخشع لهذه المشاهد المؤلمة، فأين أنتم من عقاب الله وخوفه أيها المقصرون؟ أين أنتم حين أخذتكم الدنيا عن من حملت أجسادكم في بطنها تسعة أشهر؟ أين أنتم من مشقة السهر والألم في الحمل والوضع والرضاعة؟ أين أنتم من وقفتكم أمام الله وهو من ذكر في كتابه الكريم: "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" أين أنتم من ذلك الأب الحنون؟ الذي يشقى ويتعب لأجل إسعادكم كي يراكم في أفضل المناصب، أين أنتم من تضحيته؟ في سعيه ليل نهار كي يجلب الرزق من أجلكم أيها الأبناء، حتى يرسم البسمة في شفاهكم ليأخذ مشقة الحياة بأكملها في سبيل إرضائكم وحين انحنى ظهره ونحل جسمه تركتموه. جميعنا مقصرون وفِي غفلةٍ من أمرنا فلنكن عوناً لبعض ونصحو من تلك الغفوة فهناك حساب وعقاب وعدالةٌ من رب السماوات والأرض؛ قَبِلوا أرجلهم وأياديهم ورؤسهم واعتذروا وأطلبوا السماح فلا جنة من دون رضاهم وتوددوا لهم واحتضنوهم بعطفكم. اسألوا من فقدوا والديهم وسيخبروكم عن اشتياقهم وعن بكائهم وألم الفقد وحسرات الندم، رحم الله من رحل وأطال في عمر أمهات وأباء الجميع.