تحكي بعض الكتب أن هيرنان كورتيز فاتح المكسيك قديما، حين وصل بسفنه للساحل المكسيكي، سأله السكان عن كيفية وصوله لبلادهم، ولم يكن باستطاعتهم رؤية سفنه المتربعة في عرض البحر رغم ضخامة حجمها، لأنهم لم يسبق أن صادفوا شيئا كهذا في حياتهم، وبالتالي فلا يوجد خلفية ذهنية مسبقة للأمر في أدمغتهم. يتكرر ذلك كثيرا في الثورات العلمية التي تصطدم دوما بالنموذج القديم أو تربك السيناريو السائد، فعلماء الفلك القدامى اعتبروا أن الشمس تدور حول الأرض، وقاموا بعمل تفسيرات مقننة اعتمادا على قناعتهم، وعندما اقترح جاليليو أن الأرض تدور حول الشمس، كانت الفكرة قوية وواضحة لمن يتمتع بعقلية منفتحة، لكنها لم تكن سوى هرطقة للكنيسة، وقد تطلب ذلك التحول في النموذج أكثر من مائة سنة أخرى وعشرات المعارك العلمية والمواجهات الدامية. يفضل الدماغ غالبا أن يكرر النموذج القديم من التفكير، ويسلك المسارات المألوفة، ويمارس يوميا نفس الخيارات، فيدفعنا لقراءة نفس الجرائد كل صباح، ومتابعة نفس البرنامج كل مساء، والبقاء مع الأشخاص المتفقين بشكل عام مع وجهات نظرنا، ويجعلنا نتبنى افتراضات مختزلة عن العالم من حولنا، فقد نرى أنفسنا ضحايا بلا قوة، أو مستغلين ممن حولنا، أو أننا غير محبوبين، وهكذا يطور كل منا عالمه من تلك الافتراضات التي تشبعت بها أدمغتنا في سن مبكرة وبدون تشكيك، ولأنها نماذج مبرمجة تلقائيا، فقد يجعلنا ذلك نستمر في ارتكاب أخطاء مترتبة من تلك الافتراضات وبدون وعي كامل بجذورها، بالإضافة لصعوبة تجاوز نماذجنا المقيدة بسبب إدراكنا الإنتقائي، وانحيازاتنا المعرفية التي تجعلنا نميل للدفاع عن افتراضاتنا المسبقة وتجاهل ما يناقضها، وهذا هو التفسير العلمي الذي يقف وراء استمرار السلوكيات السلبية، وصعوبة اختراق صلابة النموذج القديم، ففي كل مرة نتعود على عادة سيئة فنحن نزيد دماغيا من احتمالية إدمانها في المستقبل.