لم يزل أكتوبر 2014م مُتمايسًا متراقصًا طربًا في مُخيِّلتي على وقعِ تهافت الشُّعراء العرب المشاركين في فعاليات مهرجان المربد الشِّعري الدولي الحادي عشر في البصرة الفيحاء بالعراق، الذين تهاطلوا حول تمثال شاعر المطر بدر شاكر السَّيَّاب لالتقاط الصور التذكارية معه! وما زلتُ أتذكر تقدير المنظِّمين للمهرجان من رئيس اتحاد أدباء البصرة الأديب المعروف علي الأمارة وشاعر الدِّيوانيَّة معن سبَّاح الشيباني عرِّيف الحفل لأن تعتلي الشاعرة السعودية منصة الافتتاح لتباغت الجمهور الكبير بالمقطوعة العراقيَّة الوجعيَّة، التي حاكت وجع العراق ونزف جراحاته صاديةً: في مَرْبَدِ الشِّعرِ الأثيلِ لِقاؤُنَا مَا أعذَبَ المِيعادَ فيهِ وأطيَبَا عند البُويبِ اليومَ قِصَّة مَوعِدٍ ومَدَارُ ذاتِ الشِّعْرِ جَيْكُوُرُ الإبا .... والبصرةُ الفيحاءُ غاية عاشقٍ ثَمِلِ الهوى يشتاقُ أنْ يترغَّبا ولقد أتيتُكِ أحملُ الحُلْمَ الذي طافَ المنَازِلَ بالفؤادِ تَحَبُّبَا والرُّوحُ تمتاحُ انتشاءً في المدى ترنو الجمالَ وتَشْتَهيهِ المَطلبا تَفتضُّ صَمتَ الوالِهينَ بنشوَةٍ سَكْرى وقلبٍ طابَ أنْ يتقرَّبا والشِّعْرُ مَيَّاسُ الشُّعُورِ وزَهْوُهُ في البصرَّةِ الغنَّاءِ لا لنْ ينضُبا وما زالت نشوة لقاء شاعر العرب يحيى السَّماوي وعلاَّمة النَّقد المصري صلاح فضل والمترجم الكُردستاني موسى بيدج وشعراء الخليج والوطن العربيِّ وجولة باخرة الشعراء وهي تجوب الضفة الغربية من شطِّ العرب أقصى جنوبالعراق وأنغام الموسيقا وتطاير القصائد وتواقيع الكتب وتبادل الهدايا بينهم ووجبة المسقوف العراقي السمك المشوي بالطريقة الجنوبية تتراقصُ تيها وذاكرتي! حيث كانت دورة المهرجان تحمل اسم الشاعرة العراقية المغتربة لميعة عباس عمارة وبعنوان المربد أفق إبداعٍ يتجدَّد ! وقد كان منبر المربد قد ازدان بالفريد الأفرد من التجارب الشِّعريَّة المائزة المميزة الممتازة بأعمار وأجناس وحالات بدنيَّة متباينة الأوضاع، وكأنَّ الشِّعرَ كان سيِّدهم الذي التفُّوا حوله طائعين صاغرين راغبين القُرب غاياتِ اصطفاء! كان للتنوُّع الشِّعري الفنِّي للقصيدة العربيَّة اللَّفتة المضاءة من على منبر المربد، الذي تفنَّن في جمع شتات التجارب المنثورة منها والمسبوكة على أوزان الخليل وبحوره مع فصول دراميَّة الإلقاءات المُجسِّدة لدلالات القصائد وما كنتُ وقتها غير أن أستسلم لعضِّ أطراف الشِّفاهِ من فمي عُجبةً من عمق التَّجارب المطروحة في سوق المربد تارةً، وخجلًا من بضاعتي المُزجاة لديهم أخرى! وما كنتُ أتعجَّب من تلهُّف الدكتورة خيال بنت محمد مهدي الجواهري نهر العراق الثالث للرياض وللسُّعُوديَّة وبالأخصِّ مهرجان الجنادريَّة التي سبق وأن حضرته وأشادت بشعبيَّته عند عموم مثقفي الوطن العربيِّ وسردها لذكريات الرياض العاصمة الأحب إلى قلبها وزمان الأحبَّة كما نعتته! والجميل الأجمل كيف تحوَّل شيراتون البصرة القابع على ضفاف شط العرب وعلى مقربة من نُصُب السَّيَّاب الماطر إلى خليَّة نحلٍ ناهضة للشعراء العرب المشاركين في المربد، وصارت من الجلسات الودِّيَّة الفكريَّة التي قادتهم طوعًا إلى محمل الطَّموح، الذي يعانق أحرف الشِّعر فرحًا ببهجة اللِّقاء وفِتنة الفرص التي تهبنا من أحلاها وتنعشنا اختيالًا ونشيد المطر عند البويِّب وعلى ضفاف جيكور ورسمِ السَّيَّاب وتناثر الأمنيات!