العام 1980م كان ملهماً لقوى الفوضى في المنطقة، فبعد أن انطلقت الثورة الإيرانية، اشتعلت جذوة التطرف لدى التنظيمات المتغذية على التشدد العقائدي، بل إنها امتدت إلى جنوب آسيا وشرقها، وأفريقيا، وحتى أميركا اللاتينية، وبالتأكيد فقد كانت التنظيمات العابرة للحدود، والخارجة عن إطار الدولة، أفضل بيئة تتطور فيها صناعة التطرف، ويتم من خلالها تحفيز السلوكيات الدموية، وتوطين الفوضى من جيل إلى جيل، والتي كان من أسوأ منتجاتها؛ الأزمة اليمنية! تم تبني جذور الأزمة اليمنية بشكل عميق، انطلاقا من المرجعية الدينية، ثم تشكيل العصابات، ثم تسليح الميليشيات، ثم تنظيم قوى عسكرية تم إسنادها من الخارج، إلى أن وصلت الأمور إلى ما هي عليه؛ اختراق لمؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية، والالتفاف على الدولة، وبناء كيان يصدر الفوضى للداخل والخارج! ولكن كيف تمكنت هذه التنظيمات من تمكين الإرهاب؟ وكيف نشرت الفوضى في شرائح مجتمعية لا تنتمي في الأصل إلى هذا السلوك! بشكل آخر، هل كل الحوثيين اليوم هم حوثيون فعلا؟ صِنَاعة الأعداء فن يجيده صُنّاع الفوضى، سواء الفوضى الخلاقة أو الراديكالية الثورية، ومَن صَنَع الأزمة اليمنية، استغل عنصر الاختراق للتركيبة المجتمعية المفككة داخل اليمن، ومن ثم أدار الدفة من خانة؛ الحياد أو عدم الاكتراث، إلى خانة؛ "المتحوث"! بمعنى أن من يدير الحوثي، حَوّلَ احتقان الشرائح المتعاطفة مع الجماعة تجاه عدو افتراضي، يقوله ولا يطاله، يهدده ولا يصيبه؛ "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام!"، وفي الحقيقة إن أميركا وإسرائيل لم تصلهما رصاصة واحدة، وأن لعنة الفرس والحوثي على اليمن أشد وأنكى، وأن عاصمة الإسلام المقدسة لم تسلم من صواريخ الحوثي وإيران، فكيف أقنعت الميليشيات الحوثية بقية الشرائح اليمنية المتعاطفة معها بهذا الهراء؟ في المواجهة ضد النظام الشرعي في اليمن، يستخدم صانع الفوضى دمية "الميليشيات"، وهذا التكوين ليس له نظام معترف به، أو يملك تمثيلا، أو حتى يطاله ما يطال الدول في القوانين الدولية! وبمجرد نزع الفتيل فسيتم إعادة الميليشيات إلى حجمها الحقيقي! وقبل أن تعود إلى مرحلة ما بعد الحرب، من المهم استيعاب دائرة التشخيص لهذه التنظيمات المتطرفة، وما مراحل تطوراتها الأربعة من وجهة النظر السياسية؟ متلازمة حروب العصابات "العَرضية" - غير المقصودة أو غير المتوقعة - لها أعراض تحدد دورتها داخل مناطق الصراع؛ (مرحلة الإصابة)، أي أن التنظيم يقوم بتأسيس تواجده في مناطق النزاعات أو المناطق غير المنضبطة بنظام حكم مستقر. (مرحلة العدوى)، ومن خلال هذا الطور يقوم التنظيم باستخدام التعبئة العقائدية لنشر العنف في المناطق الأخرى، بمعنى أن طريق الجنة يمر من عمليات العنف والقتال غير المبرر أخلاقيا لكنه مبرر عقائديا. (مرحلة الاعتراض)، والمقصود فيها اشتراك جهات من خارج النطاق وغالبا ما تكون قوى دولية للتعامل مع التهديدات ووقف انتشار الفوضى. (مرحلة الرفض)، وهي فترة تفاعل السكان المحليين بشكل سلبي مع القوى الداخلة على مجتمعهم مما يدفعهم للتحالف مع التنظيم، حتى ولو كان موقفهم معارضا للتنظيم في مرحلة ما قبل الصراع. للحروب شخصيات وملامح، ومهما كانت وجهات النظر، وكيف ترى الخصم وأيديولوجيته، إلا أن الرقم غير القابل للقسمة هو الإنسان، وكيف سيكون حاله وحال أرضه وذريته؟ ويكفي أن ننظر لحال كل أرض وطأتها إيران، لنعلم أن الإنسان فيها غير آمن، وأن النظام الإيراني لا يتقن سوى حياكة صناعة الأعداء. * مختص في الاتصال والسياسة