لاشك أن مهنة الصيدلة تعد من أعرق المهن الإنسانية النبيلة لارتباطها المباشر في مجال صحة الإنسان وتوفير الدواء الذي يخفف عن آلام المرضى، ويزيل عنهم شبح المعاناة بتوفيق من المولى عز وجل، إن التطور المستمر في صناعة الدواء يسير بخطى متسارعة ومبشرة في ظل الدعم السخي الذي يجده القطاع من الدولة الكريمة، حيث مراكز الأبحاث لرصد مسببات الأمراض واكتشاف ما يحاربها وفق أطر علمية حديثة اضف إلى ذلك جهود شركات الأدوية المختلفة والمعنية بصناعة الدواء، وها هم أبناء وبنات الوطن يخوضون غمار العلم والمعرفة معززين بالإصرار والطموح والرغبة مقرونة بحرفية الكوادر العاملة في مجال هذه المهنة العظيمة، وفي إطار مسار الرؤية المستنيرة 2030 لمواكبة المستجدات والمضي قدماً بعزم وثبات نحو الإبداع والابتكار في هذا المجال الحيوي المهم، إن الامتداد المعرفي نواة لمشروعات فكرية خلاقة يجسده العمل الجاد وكفاءة الأداء ليقدم الصيادلة ما بوسعهم في سبيل تذليل الصعوبات وخدمة المرضى على أكمل وجه، في حين أن غزارة المعلومات المرتبطة بالدواء تتطلب التركيز والاهتمام والمواكبة المستمرة كرافد رئيس للمنظومة العلاجية، فضلاً عن اتكاء الأطباء على هذا الجانب المؤثر، ولا يقف دور الصيادلة عند هذا الحد بل يذهب أبعد من ذلك من خلال التثقيف الصحي الذي يمارسه الصيدلي للمرضى كأحد الركائز الرئيسة للحد من نشوء المضاعفات ورفع المستوى المعرفي بهذا الخصوص، وفيما يرتبط بمجال المهنة وشؤونها وشجونها فإن الابتكار لا يمكن أن يفرض وجوده بمعزل عن توافر العوامل المهيئة لترجمته وتجسيده واقعاً على الأرض معززاً بالمعرفة والقدرة المهنية والدعم المادي والمعنوي لخوض غمار البحث، غياب الثقة والجراءة في البحوث الطبية يلقي بظلاله ويحجب مفهوم الابتكار والإبداع وبالتالي ابتعاد الفرص عن المبتكرين وغالباً ما تتم الابتكارات والاكتشافات العلمية لاسيما في مجال الدواء خارج الحدود، في حين أن الاحتواء يعزز الثقة ويستثير مكامن الإبداع لاقتناص الفرص، تفشل التجربة الأولى والثانية وربما الثالثة، ولكن هناك ما يوحي بحتمية التحقيق في أريحية تنم عن بعد للنظر بعيداً عن قياس الخسائر بأفق ضيق وإطار محدود والالتفاف على النظرة البعيدة المتفائلة، هذا الاحتباس المغلف بالتوجس والخوف من الفشل ليس له مايبرره فإن فشل الأول أو الثاني أو الرابع سيصل الخامس أو السادس فلا ضير من تكبد عناء المحاولة بل إنهم يستحقون الشكر والتقدير على اجتهادهم وإن لم تنجح المحاولة فهم دفعوا ثمناً قيماً وهي النتائج التي في ضوئها تُستنتج الحلول، إن ثقافة التجربة مازالت تعاني من التهابات مزمنة في مفاصلها وأبرزها ولاريب هاجس الخوف من الفشل فيما تغيب عناصر مؤثرة تغذي شرايين هذه الثقافة منها على سبيل المثال لا الحصر غياب الصبر والأريحية وسعة البال والمؤازرة والتشجيع، هذا الإحراج المعنوي مازال مهيمناً على ثقافة التجربة ومحاصراً التطلع في زوايا ضيقة في حين إن الأمر من سعة، وفي سياق متصل يبرز محور مهم في العمل الصيدلي ألا وهو الأخطاء الدوائية وما تسببه من آثار جانبية سلبية، إذ إن الاستقرار النفسي للصيدلي يعد حجر الأساس وفرس الرهان لتفادي هذه المعضلة، المعنويات المستقرة تنعكس حتما على صفاء الذهن وبالتالي فإن مستوى التركيز بهذا الصدد سيسهم إيجاباً في تحري الدقة عند صرف الدواء، وعلى الرغم من تضاؤل نسبة الأخطاء الدوائية ولله الحمد قياسًا على حجم العمل الصيدلي الضخم إلا أن تحقيق الحد الأعلى من الدقة والتركيز أمر في غاية الأهمية، فكلما حققت بيئة العمل الصيدلي أعلى نسبة من الاستقرار والتجانس بين الفريق أسهم ذلك في تفادي وقوع الأخطاء، وحصر الأخطاء الدوائية في أضيق نطاق ما يتطلب جهداً جماعياً وتكاتفاً يدفع في اتجاه تحقيق رسالة الصيدلي السامية ألا وهي حماية المرضى، ويظل استقرار المريض والمحافظة على صحته هاجس الصيدلي الأول، إذ يسهم التناغم في الأداء والانسجام المتكىء على الاحترام المتبادل بين الزملاء يعزز من تطوير الكفاءة في الأداء ورفع المستوى المهني بأساليب حضارية راقية. * كبير صيدلي/ مدينة الملك فهد الطبية