أورد الثعالبي (ت429ه) في اختياراته (الظرائف واللطائف) نادرةً تقول بأن ذئباً كان يعبث في إحدى القرى ويزعج ساكنيها، «فترصّده أهلها حتى صادوه وتشاوروا في تعذيبه وقتله، فقال بعضهم: تُقطع يداه ورجلاه وتُدقُّ أسنانه ويُخلعُ لسانه. وقال آخر: لا، بل يُصلبُ ويُرشق بالنبال. وقال آخر: لا، بل توقدُ نارٌ عظيمة ويُلقى فيها. وقال بعض الممتحنين بنسائهم: لا، بل يُزوّجُ وكفى بالتزويج تعذيباً». هذه النادرة التي وردت في باب سمّاه الثعالبي (باب ذم التزوج) تُشابه في مضمونها نصوصاً تراثية كثيرة تأتي في سياق ذم الزواج وتصويره على أنّه أشد أنواع العذاب والألم للإنسان، وأن كل عذابٍ في الدنيا يهون أمام عذاب الدخول إلى «القفص الذهبي»؛ وقد ذكر أبو حيان التوحيدي أيضاً أنه قيل لرجل: «مات عدوّكَ، قال: وددتُ لو أنكم قلتم تزوّجَ»! وفي سياق الإبداع، أيضاً، شاع الاعتقاد بوجود أثر سلبي حتمي ينتج عن زواج المبدع، فدخول الشاعر إلى «قفص» الزوجية يحوّله، بحسب الاعتقاد السائد، إلى طائرٍ محبوسٍ ومجرّدٍ من قدرته الطبيعية على التحليق في سماء الإبداع والتغريد بأجمل الأشعار، لاسيما في أغراض معينة يُغذيها الشوق والحرمان كغرض الغزل. ومن بين الرافضين لهذا الاعتقاد الأديب الكبير غازي القصيبي (ت 1431ه) الذي تحدّث عن هذه المسألة في أكثر من موضع في سيرته الشعرية مؤكداً على أن شعره «لم يصب بأي نكسة نتيجة الزواج»، وأنه لم يُثبِت أحد حتى الآن «أن الشاعر الأعزب أفضل إنتاجاً من المتزوج». وأشار القصيبي إلى مسألة مهمّة وهي أن تجربة الزواج تتيح للشاعر التعبير عن تجربة رائعة جديدة لا يُتاح للشاعر الأعزب معايشتها أو التعبير عنها وهي تجربة: «الأبوة»، وأضاف بأن الزواج والأبوة «تجربتان غنيتان بالحياة وإن كان لهما من تأثير على الإنتاج الشعري فهذا التأثير.. هو أن يجعل الإنتاج أغنى وأملأ بالحياة». الربط الخاطئ بين تراجع مستوى الإبداع لدى الشاعر وبين زواجه لا يختلف كثيراً عن ربط عملية الإبداع بعالم الجن أو الاجتهاد بربط بعض الظواهر الشعرية الغامضة بأمور لا علاقة لها بها، مع أن المرور بفترات ركود إبداعي أمر مألوف يدركه الشعراء المبدعون وتحدّث عنه النقاد القدامى بإسهاب وتفصيل، كما حرصوا كل الحرص على توضيح سُبل تجاوزه والعودة إلى نشاطهم سريعاً.