منذُ خلق الله الإنسان وعلاقته بالمكان علاقة وجود تنمو، وتكبر مع نموه على خيرات هذا المكان؛ فَيَتَشَرب الإنسان محبته، ويراه بعين المحب سماؤه أجمل سماء، وأرضه أغلى أرض، وهواؤه ألطف هواء؛ بل إن هذا المكان يصبح جزءًا من كينونته يبذل له الغالي، والنفيس، ويعيش في حنين، وشوق إليه كلما باعدت الخُطى عنه يقول أبوتمام: كمْ منزلٍ في الأرضِ يألفه الفتى وحنينُه أبداً لأولِ منزلِ والوطن هو المكان الأكبر الذي يستوعب كل حب ساكنيه، وحبه أسمى معاني المحبة، والوفاء ويعبر عن نفس وفية لهذا التراب الذي نمت، وترعرعت على خيراته والإنسان بلا وطن بلا هوية، ولا انتماء هذا مع عموم الأماكن، والأوطان فكيف بوطننا المعطاء! مهد الآباء، والأجداد، ومهبط الوحي، ومنه أشرقت نور الرسالة المحمدية الخالدة لأصقاع الأرض قاطبة، وعلى ترابه قبلة الإسلام، ومسجد نبيه، وقبره، وعلى أرضه تطبق الشريعة التي هي نبراس قادته من حين وضعوا اللبنة الأولى لبنائه على أساس من التوحيد والذي بدأ بالإتفاق المشهور بين الإمام محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبدالوهاب عام 1157ه وعام بعد عام يكبر هذا البناء ومعه تكبر أهدافه السامية من الدولة السعودية الأولى مرورًا بالثانية إلى نهضة المملكة الحديثة التي بنى قواعدها مؤسس الدولة السعودية الثالثة، وباني نهضتها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه -، هذا البطل المقدام الذي سطَّر مع رجاله الأفذاذ بطولات خالدة غيرت وجه تاريخ الجزيرة العربية من قبائل متناحرة، وقرى متباغضة يسودها الجهل، والخوف، والجوع، ويعصف بها الشتات إلى دولة حديثة مترامية الأطراف شعبها على قلب رجل واحد ينعمون بخيراتها، ويرفعون رؤسهم فخرًا بإنجازاتها دولة حديثة تزاحم أقوى دول العالم في العلم والازدهار، واستمر بناء العز من بعده على يد أبنائه الملوك سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله -رحمهم الله جميعاً-. وتتواصل اليوم مسيرة العز يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ويشدُّ من أزره ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - مسيرة لا تعرف إلا العطاء، والبناء، والإنجاز؛ فتقف المملكة اليوم شامخةً قويَّة ًيفخر بها أبناؤها، ويحترمها أصدقاؤها، ويخشاها أعداؤها، ويقف لها العالم قاطبة احترامًا، وإعجابًا بخطواتها الحديثة التي جعلت الحزم، والعزم نبراساً لها مع خُطى حثيثة في التنمية وأهمها التحول الوطني الذي تعتمد عليه رؤية المملكة 2030 م ومع فرحنا بذكرى يومنا الوطني (التاسع والثمانين) فلوطننا واجبات، ومظاهر تُعبّر عن مدى حبنا له وأولها الذود عن أرضه، وقادته، وشعبه، وممتلكاته بأرواحنا، ودمائنا، وأقلامنا، وفكرنا، والحفاظ على هويته، وعكس صورة حسنة عنه أمام العالم باتباع الخلق الحسن، والسلوك الحضاري الذي يعكس رُقي الإنسان السعودي.