كل الحقائق التاريخية حول هذه الدولة وهذا النظام تحديداً لا تدعم أبداً إمكانية فتح مجال لهذا النظام بالتحاور، ومع أنه من المفيد الحديث عن حوار مع إيران، ولكنه حتى إذا حدث فيجب أن يكون محصوراً في تعهدات دولية، ومركزاً على تدخلات إيران في المنطقة بأكملها.. دفع إيران نحو التفاوض ليس هو الهدف الاستراتيجي المطلوب تحقيقه في منطقة شكلت إيران مركز أزماتها السياسية والمذهبية والاقتصادية، إيران بطبيعتها السياسية كانت ومازالت تتهرب من الضغوط الدولية عند ارتكابها الأخطاء بالتلويح بالحلول الدبلوماسية وطرح المشروعات الحوارية، وقد اعتادت المنطقة أن تمارس إيران هذا النوع من الدبلوماسية ليكون موازياً لكل خطأ ترتكبه طهران، والحقيقة أن الهجوم الإيراني على مصافي النفط السعودية أنتج مساراً دبلوماسياً إيرانياً فجائياً يدعو ويتمسك بالحوار. ماذا تريد إيران من المنطقة؟ هذا السؤال وعند الإجابة عليه تتخذ الإجابات مسارين متناقضين بحقه، الشعوب تعتقد أن السياسة الإيرانية تصدق ما تدعو إليه من دعم للمذهب الشيعي، وهذا في الحقيقة لا يؤيده أي من السياسات الإيرانية الاستراتيجية، المسار الثاني مسار عرقي فارسي وهو الهدف الأسمى، فإيران تعتقد أن لديها حضارة وتاريخاً يمكنهما أن يؤهلاها إلى قيادة المنطقة، وهي لا ترى في تاريخ دول الخليج المبررات الكافية لتتلقى هذا الدعم من قوى دولية وتحديداً أميركا. ليس هناك من شك بأن إيران استطاعت أن تقنع أميركا بأن شعارات الموت لأميركا وغيرها من الشعارات ليست سوى عمليات موجهة للشعوب لخدمة المسار المذهبي، بينما عملت إيران خلال الأربعة العقود الماضية على إرسال رسائل واضحة إلى أميركا ودول الغرب بأنها هي الأحق بأن تكون الحليف الاستراتيجي للقوى الدولية في المنطقة، وأنها تمتلك تاريخاً حضارياً فارسياً يمكنها من لعب ذلك الدور، وهذه هي الحقيقة الإيرانية، دولة بغطاء أيديولوجي وجسد فارسي. هل يمكن تصديق هذه الحقيقة؟ بالطبع إيران ليست في خدمة المذهب، وهي ترى أن تبنيها المذهب الشيعي سيصنع منها منافساً قوياً للدول السنية على الضفة الأخرى من الخليج العربي وخاصة المملكة، وهي الدولة التي ترى فيها إيران عقدة نقصها، إيران في الواقع ترى في المملكة دولة يصعب تجاوزها؛ كونها تمتلك المقومات الكافية لأن تعجز إيران عن مهاجمتها بشكل مباشر. عملت إيران خلال الأربعة العقود الماضية على محاولة إفهام الأميركان تحديداً بأنه يمكنها أن تكون طرفاً مهماً وفاعلاً في الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، وتعهدت إيران ألا يكون من أتباعها سواء في المذهب أو غيره من سوف يحاول أن يؤذي أميركا مهما كانت الشعارات الإعلامية المرفوعة ضد أميركا أو حتى إسرائيل. أعود إلى السؤال المهم هل يمكن الثقة بإيران وعند أي مستوى يمكن أن يحدث ذلك؟ إيران سوف تبحث عن فكرة لامعة تقول للعالم إنها ترغب في التحاور مع دول الخليج، ولكن الحقيقة أن الهدف البعيد لإيران ليس فكرة التصالح وتقاسم المصالح الاستراتيجية في المنطقة مع المملكة وجيرانها، إيران ليس لديها هدف هذه الأيام سوى محاولة الحصول على مخرج لرفع العقوبات ليس كلها ولكن على أقل تقدير تلك المتعلقة بالحياة ومتطلباتها الخاصة بالشعب الإيراني الذي يعاني كثيراً، وهذه المعاناة لن تكون كالأفق بلا حدود، ولكنها سوف تصل بالتدريج إلى منطقة حرجة بالنسبة للنظام الإيراني. إيران تبحث عن مخرج لأزمتها، والضغط عليها يجب أن يكون هدفاً استراتيجياً، والتحاور معها يجب أن يكون لعبة دبلوماسية لا أكثر، فكل الحقائق التاريخية حول هذه الدولة وهذا النظام تحديداً لا تدعم أبداً إمكانية فتح مجال لهذا النظام بالتحاور، ومع أنه من المفيد والإيجابية الحديث عن حوار مع إيران، ولكنه حتى إذا حدث فيجب أن يكون محصوراً في تعهدات دولية، ويكون مركزاً على تدخلات إيران في المنطقة بأكملها. مسار الحوار الدبلوماسي مطلوب أكثر من المواجهة العسكرية، ولكن إزالة الألغام السياسية والأيديولوجية في طريق هذا الحوار مطلب أساسي قبل الدخول في حوار، وهذه هي منطقة الالتقاء والثقة، وهذا يمكنه الاستمرار بلا تغير حتى وإن تغير المسار السياسي في أميركا، فكل ما يتوقعه العالم أن الديمقراطيين في أميركا يمكنهم منح إيران فرصة (أوباما) مرة خرى، أعتقد أن الأمر ليس بهذا الوضوح وبهذه التصورات؛ لأن صراعاً غير معتاد بين حزبي أميركا سوف يستمر، ولن يتوقف حتى وإن كانت مادة هذا الصراع شرق أوسطية. إيران هي من سوف يحدد درجة الثقة فيها بالنسبة لدول الخليج، ولكن الأزمة الأكبر التي تعاني منها إيران أن مسار التهديد الذي تمارسه في المنطقة لن يكون مقنعاً لدول الخليج بأن تدخل في مسار تفاوضي، ثم إن دول الخليج تدرك أن على إيران أن تعي أن الأزمة بينها والغرب حول سلاحها النووي قضية لا يجب على دول الخليج دفع ثمن من أجلها، وهنا يمكن الفهم عند أي مستوى يمكن الوثوق بإيران ومحاورتها.