استهل خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - عهده بالحزم والعزم وبدا همه كبيراً في التصدي للفساد بجميع أشكاله ودون استثناء لأحد منذ تمت مبايعته ملكاً للمملكة العربية السعودية في الثالث من ربيع الثاني 1436ه، حيث أعلن الحرب على الفساد، مؤكداً استمرار الدولة في نهجها بحماية النزاهة ومكافحة الفساد والقضاء عليه، وردع كل من تسول له نفسه العبث بالمال العام، والتعدي عليه، واستباحة حرمته، وأن على الأجهزة الضبطية والرقابية تعزيز دورها في ممارسة اختصاصاتها، بما يضمن الفاعلية، وحماية المال العام، والمحافظة عليه وترسيخ مبادئ الشفافية والعدالة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للوطن، وتعزيز ثقة المستثمرين، والاستمرار في تحسين موقع المملكة في التصنيفات الدولية المرتبطة بالنزاهة والشفافية ومحاربة الفساد. وقد وجّه الملك المفدى إلى تشكيل لجنة عليا لمراجعة وتطوير الأنظمة الرقابية استشعارا بأهمية دورها، وعدم رضاه عن دورها الحالي وبما يكفل تعزيز اختصاصاتها ويسهم بالقضاء على الفساد والحفاظ على المال العام ومحاسبة المقصرين، كما أصدر الأوامر بإنشاء لجنة عليا لمحاربة الفساد برئاسة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله -، وشن حملة اعتقالات للقبض على متهمين بالفساد المالي واستغلال السلطة في البلاد، ومؤخراً وجه إلى تعديل اسم ديوان المراقبة ليكون الديوان العام للمحاسبة، كما أصدر أمراً باعتماد لجنة إشرافية لمكافحة الفساد برئاسة رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، مدير عام المباحث الإدارية، لتتولى اتخاذ جميع الوسائل والآليات اللازمة لتحقيق النزاهة، والقضاء على الفساد المالي والإداري، ومتابعة كل ما يتصل بذلك، بما يكفل سرعة البت في قضايا الفساد، والرفع بتقارير للمقام السامي عما يتم بهذا الشأن أولاً بأول. مجالسنا مفتوحة ومنح خادم الحرمين الشريفين بحزمه وعزمه المواطنين حق مقاضاة القيادة ليستطيع أي مواطن رفع قضية وقال في حديث شفاف له: «إذا شفتوا ما يضر بمواطن أو بلده فإن بابنا مفتوح وأذني مفتوحة ومجالسنا مفتوحة»، وكرر الملك سلمان عزمه على معاقبة الفاسدين وإعطاء كل ذي حق حقه، مؤكداً أنه لا فرق بين مواطن وآخر ومنطقة وأخرى، ونبه أمراء المناطق على استقبال المواطنين والاستماع لهم وقال: «لن نقبل أي تهاون بذلك، ولعل رفض التعاون مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الذي تكرره في تقاريرها السنوية أصبح في عهد الملك سلمان من الماضي بعدما أصدر قرارا بإلزام كل الجهات المعنية بالتجاوب مع الهيئة واستفساراتها، وتبرز أوجه مكافحة الملك سلمان للفساد في عدة حوادث منها: اتخاذه قرارات صارمة في شأن حادثة سقوط رافعة في الحرم المكي بتعويض ذوي الضحايا والتحقيق في ملابسات الحادثة ومحاسبة المقصرين إلى جانب صدور توجيهات عليا إلى هيئة الرقابة والتحقيق، والنيابة العامة - التحقيق والادعاء العام سابقاً - بإعادة التحقيق مجدداً مع جميع المتهمين في سيولجدة، في تهم إزهاق الأرواح وإتلاف الممتلكات الخاصة والعامة. وسعت وزارة العدل للحد من عمليات الفساد في الجوانب المالية والاقتصادية، بتوثيق العمل العدلي عن طريق كتابات العدل، لمنع عمليات التحايل والصفقات الوهمية وغسل الأموال، وبرز في الرؤية الطموحة للمملكة حمايتها من الفساد، ومحاربته، وتعزيز الشفافية والنزاهة، التي تعد أحد لوازم تحقيق الرؤية، وشددت الرؤية على ضرورة وضع الشفافية كمنهج للدولة، والتأكيد على عدم التهاون أو التسامح مطلقًا مع الفساد بكل مستوياته، ولعل كلمات ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان تبقى بمنزلة خارطة الطريق لمحاربة الفساد، حين قال: «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد، سواء وزيرًا أو أميرًا أو أيّا كان أي أحد تتوافر عليه الأدلة الكافية سيحاسب». ثمار القرارات وبدأ المجتمع يجني ثمار القرارات الملكية الداعمة بقوة لمحاربة الفساد وتوالت إصلاحات قيادة المملكة لقطع الطريق على الممارسات الخاطئة واستغلال السلطة والنفوذ، فها هو الديوان العام للمحاسبة - ديوان المراقبة العامة سابقاً - يعلن إعادة ثمانية مليارات و844 مليون ريال لخزينة الدولة خلال العام المالي المنصرم، بزيادة عن العام السابق قدرها سبعة مليارات و107 ملايين ريال، وبنسبة 409 % وهي المحصلة الأعلى في تاريخ الديوان منذ تأسيسه، وكذلك حسم مجلسي الوزراء والشورى مؤخراً مشروع النظام الجزائي للاعتداء على المال العام، كما حققت اللجنة العليا لقضايا الفساد العام الغاية المرجوة من تشكيلها، ونتج منها استعادة أموال للخزانة العامة للدولة، تجاوزت في مجموعها 400 مليار ريال، متمثلة في أصول عدة من عقارات وشركات وأوراق مالية ونقد، وغير ذلك. حماية المال وأنجز ضمن محاربة الفساد ملف مشروع النظام الجزائي للاعتداء على المال العام بعد أن أمضى في مرحلة الدراسة والتباين 16 عاما، وقد هدف إلى حماية المال العام من خلال تجريم الاعتداء عليه، ووضع عقوبات على مرتكبي جرائم الاعتداء المنصوص عليها في النظام، وشدد في ثاني مواده على معاقبة كل موظف عام اختلس مالاً عاماً - حازه بسبب وظيفته أو بدده أو فرط فيه أو تصرف فيه بغير وجه حق -، بالسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات، أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال، أو بهما معاً، وتضمن النظام معاقبة كل موظف عام استولى على مال عام - اتصل به بحكم عمله أو تصرف فيه بغير وجه حق، أو سهل ذلك لغيره - بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات، أو بغرامة مالية لا تزيد على مليون ريال، ويعاقب كل من حاز أو أخفى مالاً عاماً متحصلاً من الجرائم السابقة المنصوص عليها في هذا النظام مع علمه بالعقوبة المقررة، ويعاقب كل موظف عام خرَّب أو أتلف أو أحرق مالاً عاماً يملكه الكيان الذي يعمل فيه، أو يتصل به بحكم عمله، أو يكون خاضعاً لإدارة الكيان أو إشرافه، بالسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات، أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بهما معاً، وحسب صيغة مشروع الشورى لا تتجاوز مدة السجن هنا خمس سنوات، أما من يشرع في أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى المقررة لعقوبة الجريمة، ويعاقب من يشترك في ارتكاب هذه الجرائم بالعقوبة المقررة لها، سواء كان موظفاً عاماً أم غير موظف عام. وتنتظر الموظف العام الذي لم يبلغ عن جرائم الاعتداء على المال العام أو تستر عليها عقوبة السجن سنة وغرامة لا تزيد على 100 ألف ريال، ودون إخلال بالعقوبة المقررة للجريمة، يحكم على من تثبت إدانته، برد المال محل الجريمة أو رد قيمته، ولا يخل تطبيق العقوبات المنصوص عليها في هذا النظام بأي عقوبة أشد ينص عليها في نظام آخر، ويجوز تضمين الحكم الصادر بتحديد العقوبة النص على نشر ملخصه على نفقة المحكوم عليه في صحيفة محلية تصدر في مكان إقامته.