تعتمد البنوك على أنشطة التمويل لتحقيق معظم إيراداتها ولذلك نجد أن هنالك صراعا كبيرا بين إدارة المبيعات من جهة وإدارة المخاطر من جهة أخرى فإدارة المبيعات ترغب في تعظيم مبيعاتها من خلال منح التمويل لأكبر عدد ممكن من العملاء وتحقيق الأهداف التسويقية التي وضعتها إدارة البنك والحصول على الحوافز المادية من ذلك النشاط في المقابل تضع إدارة المخاطر السياسات والخطوط العريضة التي لا يمكن تجاوزها بناء على دراسة السوق ومعدلات نمو الاقتصاد المحلي وحجم الإنفاق في ميزانية الدولة وكذلك العوامل الجيوسياسية ومعدلات نمو الاقتصادات العالمية ومن ثم تمر طلبات التمويل على إدارة الائتمان لدراستها وتحليلها ائتمانياً ووضع التوصيات حيال الطلبات المقدمة تمهيداً لتقديمها إلى لجان الائتمان كي تقرر منح الائتمان أو رفضه وفق ضوابط تفرضها إدارة المخاطر ولذلك نجد أن هنالك بنوكا تنجح في إدارة مخاطر الائتمان بشكل صحيح وتحمي البنك من مشكلات التعثر، وهنالك بنوك تتحمل جزءا من تلك المخاطر مقابل تعظيم الأرباح وقد تفقد جزءا من الأرباح جراء تعرضها لمخاطر أعلى من البنوك التي كان لديها تحفظ ولكل بنك سياسته في هذا الجانب ولكن يبقى هنالك إطار عام لإدارة المخاطر تضعه مؤسسة النقد لا يمكن تجاوزه، مخاطر الائتمان لدى البنوك من أهم المخاطر التي قد تؤدي إلى مشكلات مالية كبيرة، قد تصل إلى مرحلة إعلان الإفلاس ولذلك كان هنالك تغير في إدارة المخاطر ومن أهم التطورات الملحوظة في البنوك التجارية على مدى السنوات الماضية هو ظهور فنيات وممارسات الإدارة النشطة للمخاطر الائتمانية، مكن هذا التطور البنوك من إدارة مخاطر الائتمان لمحافظها وتحسين ربحيتها وتخفيض معدلات الذبذبة في الإيرادات وزادت من سيولة رأسمالها واستعماله بطريقة أفضل استفاد منها البنوك وعملاؤها لأن التوجه في إدارة المخاطر أصبح يقوم على الربط بين خطر الائتمان وكفاية رأس المال المطلوب لمقابلته خاصة بالنسبة للبنوك التي تستعمل أنظمة التصنيف الداخلية الأساسية والمتقدمة، ولاشك أن البنوك السعودية تخضع لرقابة صارمة من مؤسسة النقد السعودي وتقوم بجهود جبارة من أجل المحافظة على الجدارة الائتمانية عند أفضل المعدلات العالمية ومتطلبات معايير المحاسبة الدولية، وقد نجحت البنوك السعودية في اختبار تحمل مختلف سيناريوهات الصدمة الاقتصادية، حتى مع وصول سعر النفط إلى 25 دولارا للبرميل، وأظهرت الاختبارات التي قامت بها مؤسسة النقد السعودي مرونة القطاع المصرفي السعودي في استيعاب صدمات الاقتصاد الكلي، ولكن مع التباطؤ الاقتصادي خلال السنتين الماضيتين وضعف الإنفاق الرأسمالي على المشروعات وإعادة هيكلة الاقتصاد المحلي وتخفيض الدعم الحكومي وفرض بعض الرسوم والضرائب شهد القطاع الخاص تراجعا واضحا في الإيرادات وخصوصاً قطاعات التشييد والبناء مما رفع نسب التعثر في سداد القروض المصرفية في مواعيدها المحددة ولأن بعض القروض كانت آجالها أكثر من سنة فإن بعضاً من تلك الاستحقاقات كانت في هذا العام حيث نشأت قروض متعثرة كبيرة ظهرت في القوائم المالية للبنوك خلال الربع الثالث حيث نمت القروض المتعثرة بحوالي 24 % وهي نسبة ليست بالقليلة ولم نتعود خلال السنوات الماضية أن يصل نمو القروض المتعثرة إلى هذا الحد، ومع ذلك لم يكن هنالك نمو في المخصصات بما يتماشى مع نمو القروض المتعثرة حيث انخفضت المخصصات بنسبة 15 % وخفضت جميع البنوك مخصصاتها خلال الفترة الماضية، باستثناء 5 بنوك تصدرها البنك السعودي الفرنسي الذي رفع مخصصاته من 55.7 مليون ريال خلال الربع الثالث 2017 إلى 127.8 مليون ريال خلال الربع الثالث 2018، يليه بنك الاستثمار والبلاد والبنك الأول ومصرف الراجحي، ومع أن نسب تغطية المخصصات للقروض المتعثرة ما زالت في المعدلات الجيدة عند متوسط 1.85 إلا بعض البنوك ولغرض تعويض تراجع الأرباح قامت بخفض مخصصاتها من أجل تعظيم أرباحها، في المقابل كانت هنالك بنوك لم تقم بهذا الإجراء ربما لأن إيراداتها لم تتراجع فلم تلجأ إلى هذا الخيار ومنها مصرف الراجحي حيث وصلت نسبة تغطية المخصصات لديه حوالي 400 % وهذا يعطي المصرف مزيداً من الجدارة الائتمانية والمحافظة على نمو أرباحه خلال الفترة القادمة. البنوك السعودية بما تمتلكه من جدارة ائتمانية عالية بعيدة كل البعد عن مخاطر الائتمان ومع ذلك نتوقع أن يكون هنالك نمو في القروض المتعثرة في الربع الأخير بناء على تحليل الأرقام السابقة ومن المتوقع رفع المخصصات بشكل أكبر خلال الربع الأخير وكما هو معتاد فإن البنوك عادة ترفع قيمة المخصصات بنسب أعلى في الربع الأخير وإن النمو الواضح في القروض المتعثرة يؤكد زيادة المخصصات وهو ما سوف يؤثر بشكل سلبي على أرباح البنوك، وقد يشهد القطاع البنكي في الربع الرابع أرباحاً أقل من الأرباع السابقة، كما أن معدلات نمو محافظ التمويل لدى البنوك في الحقيقة لم تتجاوز 1.24 % وبذلك لن تستفيد من ارتفاع نسب الفائدة.