في زمن مضى، كانت الزوجة الأولى تخطب لزوجها عندما يريد أن يتزوج الثانية؛ حتى لا تتسبب في هدم منزلها وحياتها، فتبقى معززة مكرمة؛ حيث تقوم بهذه الخطوة إذا علمت أنه لن يتراجع عن قراره، وفي هذا الوقت يستحيل ذلك إلاّ فيما ندر. وتختلف وجهات النظر حول إمكانية أن تخطب المرأة لزوجها زوجة ثانية، حيث يعده البعض نوعاً من التضحية في سبيل أن تراه سعيداً، خاصةً إذا لم تُنجب له الأبناء، ويرى البعض الآخر أن الزوجة المثقفة المتفهمة لحقوق زوجها الشرعية عليها أن تدرك أحاسيسه ومشاعره، وتواجه نفسها بأن العلاقة الزوجية لم تكتمل لإسعاده، فتضحي من أجل إرضائه لتحافظ على منزلها، في حين يرى آخرون أن اختيار المرأة زوجة ثانية لزوجها شيء جميل له آثار إيجابية من حيث اختفاء ظاهرة الزواج في السر، ما يولد شيئاً من الألفة داخل الأسرة، وهو ما يؤثر في عطاء كل زوجة تجاه زوجها، فيكون للزوج انعكاس جميل داخل المنزل. استثناء اجتماعي وقال د. محمد بن محسن إسحاق - رئيس قسم البحوث والدراسات بمجمع الأمل للصحة النفسية -: قبل تناول ذلك لا بُد من التفصيل في الحالات، فإذا كان سبب ذلك طبياً، مثل عدم القدرة على الإنجاب، أو الإصابة بمرض، أو عدم القدرة على العلاقة الحميمية لأسباب متعلقة بالزوجة، وغير ذلك من الأسباب، فإن التفسير الاجتماعي يتلخص في أن داخل الأسرة دوراً اجتماعياً محدداً للزوجة، ولها حقوق وعليها واجبات، وعند وجود خلل في ذلك الدور يتحول إلى حالة من الصراع، وهو ما يحدث غالباً، ولأنها ترى تهديداً خطيراً لحالة السلام الأسري والاجتماعي التي تحياها، قد تقبل الزوجة بأخرى في حياة زوجها، بل قد تخطب له، وتتعامل مع ضرتها بنوع من العلاقات والسلوك الاجتماعي الهادئ، بدافع أنه حالة من الاستثناء الاجتماعي أوجدتها العوامل والظروف، وهي هنا تنظر للظاهرة من منظور "ما لا يدرك كله لا يترك كله"؛ أي أنها لن تترك زوجها يتزوج دون إرادتها، وفي الوقت نفسه لا تتركه لأخرى، رغم أنها تشعر بنوع من الحرج الاجتماعي وهي تقبل هذا الازدواج ظاهرياً، ومثال ذلك زوجة النبي إبراهيم زوّجت زوجها من هاجر وكانت راضية في البداية، لكن ما إن حملت الثانية غارت. رد معاكس وأوضح د. إسحاق أنه في حال عدم وجود أسباب لذلك فهنا البُعد النفسي لهذا السلوك، حيث يهدف إلى وجود حالة من السلام النفسي، سواء على المستوى الداخلي بينها وبين ذاتها، أو خارجي في علاقتها مع الآخرين، لكن قد يحدث خلل في هذا السلام بفعل مؤثر خارجي، وهذا ما ينشأ عندما ترى الزوجة الأولى رغبة زوجها الزواج من أخرى، فينشأ داخلها نوع من الصراع النفسي يخلق حالة تنافر؛ لأنها في هذا الوضع تحاول أن تسعى إلى إيجاد نوع من الدعم النفسي، أو منطق لقبول ذلك بدخول ضرة في حياتها وتشاركها زوجها، عملاً بمبدأ قبول تحت ضغط نفسي رهيب، وهي بذلك تحاول الدخول في حالة السلام النفسي، لكن قد يتولد لديها على المدى الطويل رد فعل معاكس وسلبي، من خلال إحساسها الداخلي المكبوت، بنوع من الانكسار النفسي، الذي قد يؤدي إلى إصابتها بعد فترة معينة بالاكتئاب والكبت والإحباط، وقد يؤدي على مدى بعيد إلى ردود فعل سلوكية عدوانية. وتحدث ناصر العبيد - مستشار دراسات إسلامية - قائلاً: إنه بحسب الواقع يستحيل أولاً أن تزوج امرأة زوجها إلاّ في القليل النادر، ولكن لو افترضنا وقوع ذلك، فلا أظنه ثقة ولا خوفاً، وإنما تخلص منه، إمّا لسوء عشرته أو لانشغالها عنه بتجارة أو عمل أو غيرها، ولو افترضنا أنها واثقة بنفسها، فمعناه أنه سيأخذ أقل منها جمالاً وعمراً، وهذا نادر أن يكون؛ لأن الرجل يرى أنه لا بد أن تكون أجمل من الأولى وإلاّ لا داعي للزواج، وبالتالي تكون ثقتها هنا خاطئة. عملة نادرة وذكر عويضة محمد العطوي - رجل متعدد الزوجات - أنه منذ عقود من الزمن كانت الزوجة هي التي تخطب لزوجها إذا لاحظت رغبته في التعدد، وفي هذا الزمن تعتبر عملة نادرة، مضيفاً أن الزوجة لا يمكن أن تسمح وتخطب لزوجها إلاّ بسبب أنها تريد الابتعاد عنه، وأن تبقى في ذمته كمسمى زوجة فقط، أو ليقوم بتنفيذ طلب كان مستحيلاً أن يحققه لها وهي زوجة وحيدة، أو لهدف مادي، أمّا الآن فقل مثل ذلك، ومن تتقدم فهي تبحث عن سعادتها التي قد تكون بتشجيعه على الزواج ومشاركته في البحث. وأشارت إسراء ميمني إلى أنه عندما يطلب الرجل الزواج بأخرى فهذا حقه الطبيعي، فالشرع أحل له ذلك، فلماذا نمانع ونقف ضد شيء ربنا أحله لهم؟ لكن الأنثى من طبعها الغيرة، فهي عندما تخطب له فقد جاءت على نفسها تحقيقاً لرغبته، فهذا شيء إن دل فإنه يدل على قوتها وثقتها بنفسها، مضيفةً: "أنا كزوجة لرجل معدد لا مانع لدي أن يتزوج، لكن لا يمكن أن أخطب له". حكمة وشجاعة وقالت ريهام جعفر - اختصاصية اجتماعية -: تتعدد أنواع التضحية لدى المرأة، التي من ضمنها أن تقوم بخطبة امرأة أخرى لزوجها، والتي قد تكون أحياناً إرضاءً للزوج، حيث ترى أن تخطب له من تراه هي وتعرفها أفضل من أن يقوم بإحضار امرأة من اختياره، وأحياناً تقوم المرأة بتلك الخطوة في حال لم تنجب أبناء، قد يراه البعض ضرباً من الجنون، والبعض الآخر يراه من طبيعة المرأة العاطفية والمسالمة التي تفضِّل التنازل في كثير من الأمور، مضيفةً أن بعض النساء تقدم على تلك الخطوة من باب الثقة بأنها الأولى، والزوج لا غنى لديه عنها، وبالتالي سيعود إليها. وتحدث فؤاد قمري قائلاً: الزوجة المثقفة المتفهمة لحقوق زوجها الشرعية عليها أن تدرك أحاسيسه ومشاعره، وتواجه نفسها بأن العلاقة الزوجية لم تكتمل لإسعاده، ربما هناك أمور لا نعلم عنها قد تكون نفسية أو صحية، أو عدم إنجاب فتبادر وتضحي من أجل سعادته وإرضائه وتحافظ على منزلها، مضيفاً أن هذه الزوجة عاقلة تثق بزوجها، وبأنه سيقدر موقفها ويحافظ عليها، وهي تعرف حدود الله سبحانه وتعالى، وبالتالي تعالج الموضوع بحكمة وشجاعة أدبية لتحافظ على بيتها ومستقبلها، وفي النهاية يحق للزوج أن يتزوج أربعاً. غيرة زائدة وأوضح أحمد بافضل، أن اختيار المرأة زوجة ثانية لزوجها شيء جميل له آثار إيجابية من حيث اختفاء ظاهرة الزواج في السر، وهذا يولد شيئاً من الألفة داخل الأسرة، ويعمل ردة فعل بين الزوجات، ما يؤثر في عطاء كل زوجة تجاه زوجها وأولادها، ويكون للزوج انعكاس جميل يعمل على وجود طاقة وإيجابية داخل المنزل، مضيفاً أنه كان هذا الأمر منذ زمن، حيث كنا نسمع به، وكانت الحياة تستمر بعد الزواج مع وجود الزوجات في منزل واحد، وهذا يدل على الحكمة والتصرف الحكيم، سواء من الزوجة الأولى التي تبادر في الخطبة لزوجها من امرأة أخرى حتى تبقى مع زوجها وبين أبنائها، مبيناً أننا نجد حكمة الرجل في الجمع بين الزوجتين في بيت واحد، حيث يمسك بزمام الأمور، مشيراً إلى أنه اليوم من المستحيل أن تجد زوجة تخطب لزوجها امرأة أخرى، حتى لو هي تعرف أنها مقصرة في أمور زوجها إلاّ ما ندر؛ والسبب الغيرة الزائدة التي أحياناً تحرق العلاقة الزوجية. محمد إسحاق ناصر العبيد عويضة العطوي إسراء ميمني ريهام جعفر فؤاد قمري