يحتل التراث في أي دولة قيمة معياريّة كبيرة تتجذّر في وجدان أبنائها؛ ولا غرو في ذلك فقد اقترن مفهوم التراث في حمولته السوسيولجية بالموروث المشترك الذي يتوارثه الأبناء عن الآباء عن الأجداد، هذا التراث الغزير المتنوّع بشقّيه المادي والرمزي، وبما يحويه من آثار ذات ثراء وغِنى؛ سواء المكتوب منها أو الشفاهي يشكّل امتداداً جمالياً وإنسانياً لتاريخ هذه الأرض التي شهدت أحداثاً ومعالم حضارية وأنساقاً متعددة المشارب انغرست في وجدان أبنائها وانطبعت في وعيهم الجمعي باعتباره تركة حضارية ذات قيمة إنسانية كبيرة، تزداد أهميتها مع الوقت، بل إنها تشكّل مَلمَحاً بالغ الأهمية في هوية الوطن والشعب بشكل عام، ما يعني أنه مُحدِّد لشخصية وهويّة الوطن ووعاء حافظ لمخزونه المعرفي والقيمي، وعلامة مهمة من علامات تميّزه. من هنا فإن سوق عكاظ كقيمة ثقافية ومعرفية وحضارية، يشكّل حاجة وجودية لا تتزعزع أهميّتها مع الوقت، بل إنها تكتسب حضوراً يطّرد أهميةً وفاعليةً على مرّ الأزمان. ولعل اللافت أن تجربة سوق عكاظ باتت من التجارب الثقافية المهمّة التي ترسّخ قيمة التراث والإرث الحضاري الذي تزخر به مملكتنا الحبيبة على امتداد تضاريسها الرحبة المتنوّعة والتي شكّلت عبر أزمان وحقب عديدة هوية وشخصية أبنائها ووسمتهم بسمات ومزايا نادرة وقيم وأنساق ومفاهيم تجذّر انعكاسها على شخصية كل مواطن سعودي من حيث الصبر والوفاء وتحمّل المشاق والنقاء الذي اكتسبه من صحراء هذه الأرض ورحابتها والعلاقة الحميمة التي ربطته بأرضه وإرثه التاريخي والإنساني الرحب. اليوم سوق عكاظ من المحطات المهمة التي يتهافت عليها جموع المثقفين والمفكرين والنخب المختلفة في شتى المجالات، إذ إنه محفل يزدهي بصخب الثقافة وآثارها الإنسانية المدوّية التي يتعالق معها محبو الثقافة والتراث والإرث الحضاري الذي بات حاضراً في وجدان ومخيال المثقف العربي من المحيط إلى الخليج؛ وهو ما يجدّد قيمة الثقافة والمشترك الإنساني والمعرفي الذي يوحّد الشعوب ويجعلها تتساقى المعرفة وتتبادل المكتسبات والإنجازات المادية والمعنوية التي شيّدها الإنسان بصفته إنساناً مُبرّأً من التحيّزات الإيديولوجية التي تجعله منفصماً عن غيره سواء بالنسبة للدول أو حتى الأفراد. ومن هنا قيمة سوق عكاظ كقيمة حضارية وثقافية ووجودية خليقة بالتمثُّل والاعتبار.