الحج موسم إسلامي عالمي، وظاهرة اجتماعية عظيمة، تتجسد فيها المعاني الإنسانية في أرقى صورها، ومؤتمر إسلامي كبير، يجتمع فيه المسلمون من كل حدب وصوب، ومن كل عرق ولون، يجمعهم ويوحدهم مقصد ومبتغى واحد، أن يغفر الله ذنوبهم ويطهرهم ويتقبل عبادتهم وحجهم ومناسكهم، وأن تكون خالصة لوجه الكريم، فالحج أكثر العبادات الإسلامية اشتمالًا على الأمور التعبدية، وذو أثر واضح في حياة المسلمين أفرادًا وشعوبًا، فالحج شحنة روحية، يتزود بها المسلم فتملأ جوانحه خشية وتقى لله، وعزمًا على طاعته، وندمًا على معصيته، وتغذي فيه عاطفة الحب لله ولرسوله، وتوقظ فيه مشاعر الأخوة والإنسانية لتوحدهم كالبنيان يشد بعضه بعضا، وكالجسد في تراحمهم وتعاطفهم، وليكون هدفهم ومقصدهم أداء هذه الفريضة العظيمة، الركن الخامس من أركان الإسلام.. حج بيت الله العظيم وليس سوى ذلك. ويشكل الحج منظومة اجتماعية قل نظيرها في العالم أجمع، امتدت منذ آلاف السنين من التاريخ، اشتملت على مضامين تربوية ودينية، جعلها الله مرتبطة بهذه العبادة، وفيه فرصة للتفاعل والاحتكاك بين المسلمين في مصالحهم ومعاشهم، وتوثيق روابطهم، وجمع كلمتهم، وإحباط مكائد أعدائهم، ولو استلهم المسلمون من الحج الدروس والعبر لنشأت أعظم حضارة إسلامية إنسانية على كل مستوياتها في تاريخ الوجود، ولانضم كل إنسان إلى هذه المنظومة العالمية الاجتماعية المقدسة. ومن الجوانب الظاهرة لشعيرة الحج، الذي يربي على الوحدة والنسق الاجتماعي المتجانس، أنه يطلب من الكل أن يتخلوا عن ملابسهم الخاصة، ويرتدوا لباسًا واحدًا بسيطًا، فتزول الفروق بينهم، ويبدو الناس في لباس مشترك وعبادة مشتركة، لا وضع لهم سوى العبودية لله وحده وأداء مناسك الحج، ولا يسمح لأي كائن مَن كان بتعكير صفو فريضة الحج بفعل مزايدين أو ممّن يخدمون مصالح أو شعارات سياسية أو دعوات طائفية مقيتة. والناظر إلى ميدان عرفات يستشعر العجب والحكمة الإلهية، فترى عباد الله يأتون فوجًا بعد فوج من كل النواحي، وعلى هيئة بسيطة بيضاء لا فرق بينهم، وقد فقد الكل صفته المميزة، وعلى لسان الكل شعار واحد: «لبيك اللهم لبيك، لبيك اللهم لبيك» فالحج يربي المسلم على احتمال الشدائد والمشقات والصبر على المكاره ومواجهة الحياة بصعوباتها وتسهيلاتها، وعلى الخصال الحميدة، والخلق النبيل، والسلوك الطيب، كالتواضع وخدمة الآخرين وحب الغير، والعمل على بث روح الإيثار في الجماعة، والمساواة بين الناس كافة، فيحقق الوحدة الاجتماعية الإسلامية في ظل الله، والاجتماع على كلمة سواء. حفظ الله حجاج بيته من كل سوء ومكروه.