أشكر الكاتب ماجد الغامدي الذي أعادني إلى فيلم دراما أميركي رائع صدر عام 1957 عنوانه هو عنوان هذا المقال. الزميل كتب عن هذا الفيلم في «الرياض» مقالاً بعنوان (12 رجلاً أحبهم الناس)، صاحب هذه السطور هو أحد هؤلاء الناس الذين أحبوا هذا الفيلم وأبطاله، وكنت أستخدم هذا الفيلم لأغراض التدريب عندما كنت أعمل في معهد الإدارة العامة. الفيلم بدون ألوان، لكن قوته في المحتوى والإخراج وأداء رجاله. هيئة المحلفين المكونة من 12 رجلاً تريد أن تصل إلى قرار حول شاب متهم بجريمة قتل. هل هو مذنب أم بريء؟ الإجابة على هذا السؤال تمر عبر حوار عميق، ولغة قوية ومهارات اتصال جاذبة، حوار طويل في غرفة واحدة لكنه حوار غير ممل. هذا الفيلم عنوان للإبداع والجودة. إبداع اكتملت شروطه، النص والإخراج والأداء المبهر؛ وتكتمل الشروط بالمنتج هنري فوندا، وهو أحد النجوم المتميزة في أميركا في فن السينما، وحاصل على عدة جوائز من ضمنها الأوسكار. هذا الفيلم تم تصنيفه ضمن الأفلام العظيمة واختير للحفظ ضمن الأرشيف الوطني السينمائي من قبل مكتبة الكونغرس. الكتابة عن فيلم قديم في هذا الوقت هي فرصة لمراجعة وتقييم المنتجات السينمائية الحديثة التي يعتمد بعضها على التقنية على حساب الموضوع والنص والحوار. الأفلام الحديثة المتميزة موجودة لكنها تتميز وتحصد الجوائز في الغالب لأسباب تتعلق بالقصة وأداء الممثلين والإخراج، وليس بسبب التقنية. الملفت للنظر أن أفلام الخيال والعنف لها جمهور غفير وتحقق مكاسب مالية كبيرة. هذا النجاح المالي لهذا النوع من الأفلام قد يكون نجاحاً مؤقتاً لا يملك المقومات التي تجعله يعيش في أذهان الناس، ولا الجودة التي تؤهله ليحجز مكاناً في مكتبة التاريخ الحضاري الجمالي في هذا المجال، كما فعل الفيلم الذي نتحدث عنه وغيره من الأفلام التي تجتمع فيها صفات النجاح الثابت. الكتابة عن فيلم قديم تجعلني أقترح على دور السينما ألا يقتصر العرض على الأفلام الجديدة. ما الذي يمنع عرض أفلام رائعة لا تزال تحتفظ بروعتها رغم مرور زمن طويل على إنتاجها.؟ أفلام لا تفقد فكرتها وقيمتها الفنية بمرور الزمن رغم أن تكلفته كانت 340,000 دولار فقط. هذا المبلغ ربما كان كبيراً في تلك الفترة، ولكنه يمثل ميزانية بسيطة مقارنة بمضمون الفيلم ومدته وعدد المشاركين فيه. مثل هذه الأفلام يجب الاستفادة منها في المعاهد المتخصصة في هذا المجال. حين نقول عن العمل الناجح أو الإنجاز المتميز في أي مجال أنه يدرس، فهذا ينطبق على هذا الفيلم الذي يستفاد منه في مجال القانون (مثل دور هيئة المحلفين)، كما يستفاد منه في مهارات الحوار والإقناع، والقدرة على تحمل الجدال بحثاً عن الحقيقة.