عشرات القصص لطلبة سعوديين يدرسون الفن السينمائي في عواصم عربية ومدن أوربية وعالمية، لماذا ذهبوا لدراسة مجال ليس له ميدان عمل داخل البلاد؟. هل الشغف السينمائي وحده يكفي أم أنه استعداد لمجال فني واقتصادي ضخم سيفتتح عما قريب؟. حول الدافع وراء الميل نحو التخصص ودراسة المجال السينمائي، يشير المخرج السعودي المقيم في أمريكا أسامة الخريجي إلى أن الشغف الشخصي تجاه الفن السينمائي كان الدافع الرئيس. مضيفاً بأن البداية كانت مع التعرف على عوالم الأدب الروائي وما يحتوي من خيال وقصص و"قراءة الأدب الروائي الذي شجعني لتجربة كتابة رواية.. ولكن بعد التعرف على عالم السينما أحببت أن أروي ولكن بطريقة بصرية ودخلت إلى مجال السينما عام 2007 عندما أنجزت أول فيلم لي وكان وثائقياً بعنوان: (الحقيقة). وفاز بجائزتين الأولى النخلة الفضية بمهرجان الأفلام السعودية الأول بالدمام وجائزة أفضل فيلم يمثل العالم الإسلامي في مهرجان كازان بجمهورية تترستان في روسيا. وهذا كان المؤشر بأن لدي القدرة على خوض هذا المجال". أما هناء صالح الفاسي وهي مخرجة سعودية تدرس السينما في أكاديمية نيويورك السينمائية، فلها حكاية مع الشغف السينمائي، ترويها، قائلة: "بداية درست الإخراج السينمائي في أكاديمية رأفت الميهي لفنون وتكنولوجيا السينما بالقاهرة عام 2003، رغم أنني كنت في نفس الوقت أدرس بكالوريوس آداب إعلام في جامعة عين شمس وذلك لشغفي بالسينما وقمت بعد ذلك بإخراج أفلام قصيرة نالت جوائز وترشيحات أسامة الخريجي: المملكة وطني وكل ما يمكن أن أقدمه لها فلن أتردد في صنعه وفيلمين قصيرين سوف يتم عرضهما في قناة MBC ضمن برنامج "بعيون سعودية"، ثم عملت ككاتبة وكمصورة ومساعد مخرج ومنتج لعدة دعايات وأفلام وثائقية ومسلسلات في كل من المغرب والمملكة ولكن للأسف لم يكن هناك فرصة كبيرة للعمل في أفلام روائية والتي هي اهتمامي الأول وكان ذهابي أولاً لنيويورك والعمل كمساعد مخرج ثان في أحد الأفلام المستقلة ثم قررت أن أكمل الماجستير على حسابي الخاص في لوس آنجلوس واتخاذ خبرة أكبر في بيئة مختلفة عن العالم العربي وذلك بالرغم من التحدي الذي واجهني كوني أستحق الالتحاق بالبعثة إلا أنه للأسف تم رفضها فقط لعدم وجود مرافق معي إلا أن بمساعدة أهلي استطعت ولله الحمد الاستمرار في تحقيق مرادي ورغم أن الشهادة في هذا المجال لا تفيد في أن تصبح مخرجاً متميزاً ولكن الدراسة تعرضك لخبرة وتعلم تقنيات لن تستطيع تعلمها خاصة في المملكة التي تخلو تقريباً من الإنتاج السينمائي". غياب المعاهد وحول سبب الدراسة في الخارج، يعلق أسامة الخريجي: "لأنه لا يوجد لدينا معاهد ولا أكاديميات فنون في الداخل، وأنا مؤمن بأن التعلم شرط أساسي للتعلم. ومن هنا جاءت فرصة الابتعاث لدراسة مجال الفن السينمائي بتخصص"، مشيراً إلى أن الفضل يعود لبرنامج الابتعاث الخارجي "الذي أتاح لنا أن نخوض هذ التجربة". هناء الفاسي: عدم وجود معاهد وأستوديوهات مشكلة تواجه الشباب المثنى الكتبي: المهرجانات السعودية تبشر بمستقبل أفضل للسينما في حين يرى مثنى الكتبي (خريج سينما من الولاياتالمتحدة) أن الأثر الذي تتركه تلك القصص في قلوب الناس، ذلك الأثر الذي يدفع أحدهم لإعطاء فقير، أو لزيارة مريض، لمساعدة صديق، أو لصلة رحم وغيره هو الدافع لدراسة السينما ودخول المجال السينمائي، الذي يرى فيه مثنى، أحد أفضل الطرق وأسهلها وصولاً لقلوب الناس وفكرهم. مضيفاً: "شعرت بالرغبة في دراسة وتعلم تلك الأدوات التي تحرك المشاعر وتغير الفكر وتنور العقول وتزيد الحياة جمالاً وبهجة، وهو ما حدث حقاً". السينما والوظيفة ولكن هل فكر كل من هناء وأسامة والمثنى في خطوة دراسة تخصصٍ ليس له مجال وظيفي داخل المملكة؟. تجيب المخرجة السعودية الشابة، معلقة: "أنا لا أدرس لكي أبحث عن وظيفة وإنما لكي أوجدها، فمن خلال كتابتي لأفلام أو مسلسلات أبحث عن إنتاج لها من خلال شركات أو أفراد مستثمرين ومن ثم تنفيذها ورغم صعوبة الأمر في الحصول على إنتاج لأفلام روائية من داخل المملكة إلا أنني سوف أسعى لتحقيق ذلك من خلال أماكن أخرى سواء أوروبا أو أمريكا أو أي بلد تشجع وتتبنى الفن السينمائي". في حين يعلل الخريجي، سبب دخوله مجالاً غير موجود في البلاد، بالقول: "المملكة هي بلدي وكل ما يمكن أن أقدمه لهذا البلد لن أتردد في صنعه، علماً أن المؤشرات تقول إن السينما قادمة إلى جانب أن مجالات الإنتاج السينمائي لم تعد محصورة على الطريقة التقليدية بل أصبح هنالك العروض الأونلاين وبدقة عالية وإلى داخل المنازل". مشيداً بتجربة العمل خارج البلاد، وبنجاح المنتج السعودي محمد التركي في إنتاج أفلام عالمية وبالتالي المجال مفتوح للعمل في أي مكان "أما بالنسبة لي فخياري الأول هو وطني ومن ثم العالم العربي". الخريجي الذي تخرج من أكثر من عام، يعمل حالياً في أستوديوهات هوليوود وله تجربة هامة في الدراسة بمدرسة نيويورك للأفلام New York Film Academy والتي تعلم منها الكثير خصوصاً وأن التعليم كان عملياً و"كان أول يوم دراسة كأنه أول يوم عمل"، على حد تعبير الخريجي. تجارب طموحة وعن نفس الأكاديمية، تتحدث هناء صالح الفاسي، موضحة حول طبيعة دراستها: "دراستي في نيويورك فيلم أكاديمي أغلبها دراسة عملية وليست نظرية وذلك من خلال كتابة وتصوير وإخراج عدة أفلام قصيرة والعمل في مشاريع زملائي في الإضاءة والصوت والمونتاج وغير ذلك، ودراسة مكثفة لتاريخ السينما، كما أنني ضمن فريق محدود من الطلبة ينتج أعمالاً خارج الأكاديمية لعملاء مثل وورنر براذرز وغيرهم، وحالياً أعكف على الانتهاء من مشروع تخرجي وهو فيلم قصير تم تصويره في لوس آنجلوس". مشيرة إلى أن طموحها كبير في مرحلة ما بعد الدراسة "هناك أفكار وقصص كثيرة لا أحد يتحدث عنها فكتابة وإخراج أفلام ومسلسلات تعبر عن رؤيتي للعالم من زوايا مختلفة، من خلالها أستطيع أن أحدث تغييراً وتأثيراً إيجابياً لمن يشاهدها". جامعة كولومبيا أما عن المثنى الكتبي فيتحدث عن تجربته في التحول إلى المجال السينمائي قائلاً: "تخرجت من جامعة الإمام محمد بن سعود عام 2009، وفي عام 2010 دفعني الفضول لحضور دورة تدريبة قصيرة حول الإخراج السينمائي للمخرج محمد بايزيد. ثم سافرت إلى أبوظبي لدراسة التصوير السينمائي في أكاديمية نيويورك للأفلام، ومؤسسة twofour54 ثم انتقلت إلى جامعة كولومبيا في نيويورك وتخصصت في الإخراج السينمائي والتعامل مع الممثلين. كما تعلمت خلال دراستي الكثير من الفنون كالتصوير السينمائي والكتابة والمونتاج والتلوين وفنون الصوت وغيرها". متذكراً لقاء بعض الأسماء العريقة في عالم السينما الذين تعلم منهم، كالمونتير Walter Murch مونتير الفيلم الشهير (العراب-The Godfather) وبعض أسرار الكتابة والألوان مع المخرجة جينيفر لي مخرجة فيلم Frozen. ويضيف المثنى: "كما أنتجت وعملت في العديد من الأفلام القصيرة والدعايات في الخليج وأمريكا، وتناولت تلك الأعمال التوعية بالإسلام، القراءة، طمأنينة الحياة، دعايات البنوك، التحذير من التدخين، ومرضى الكبد، وغيرهم؛ كما شاركت المخرج بدر الحمود كمونتير في فيلم "سكراب"، الفائز بالعديد من الجوائز العالمية، كما كنت مساعده في فيلم "قلم المرايا" الذي أنتج في 2014 في لوس آنجلوس بالتعاون مع الممثل إيريك روبرتس". وأخيراً كيف ينظر المخرجون الشباب للمشهد السينمائي السعودي؟. من جهته يرى أسامة الخريجي المشهد من وجهة نظر إنتاجية، مبدياً تخوفه من الفوضى المحتملة حال دخول السينما إلى المملكة دون وجود معاهد وبنى تحتية تدعم قيام هذا القطاع الاقتصادي والفني الهام. مشيراً إلى فوضى التلفزيون والمسلسلات السعودية الحالية كمثال، "قد يؤدي وجود السينما دون بنية تحتية إلى تشكل شريحة من المنتجين الذين هدفهم فقط هو الربح". متمنياً أن يفتح المجال السينمائي بشكل يحفز الفنان السعودي، ويخدم المجتمع في كل جوانبه. بينما تعلق المخرجة الفاسي، قائلة: "هناك عدد كبير من الطلبة والطالبات الدارسين لصناعة الأفلام من إخراج وتصوير والكثير منهم موهوبون وذلك غير المخرجات والمخرجين المتواجدين حالياً ولكن هناك نقص في التخصصات الأخرى من مونتاج وكتابة وهندسة صوت ومؤثرات بصرية الخ من التخصصات التي تكمل أي عمل روائي للظهور بالطريقة اللائقة، إضافة إلى أن عدم وجود أستوديوهات تمثل مشكلة أخرى ولكن تظل المشكلة الأبرز". بينما يصف المثنى الكتبي المشهد المحلي بالنامي في مجال العمل السينمائي. مضيفاً: "نشهد كل يوم العديد من الآفاق التي تفتح لنا أبوابها، وتتبنى أفكارنا ومواهبنا فالمهرجانات السعودية وجمعيات الفنون والثقافة تتحسن وتتطور بشكل مستمر، مواكبةً بذلك طموحاتنا وتطلعاتنا وتدخل البهجة علينا في كل مرة بأخبارها، من دورات تعليمية، واستضافات إثرائية، وبرامج عملية مفيدة وذات مستوى ممتاز". أسامة الخريجي هناء الفاسي