حين قرأت رواية الحرب والسلام، تذكرت المسلسل البريطاني الذي جسد الرواية قبل عدة سنوات، كنت أقرأ الرواية ووصف تولستوي لملابس الرجال والنساء في البيت أو عند حضور الحفلات، وكنت مطمئنة أن هناك تجسيداً لهذه الأزياء أستطيع أن أرجع إليه عند إعادة مشاهدة المسلسل، مطمئنة إلى أن هناك شخصاً قام بالمهمة والبحث وبصنع ملابس تناسب تلك الفترة تماماً، لكنني اكتشفت أن هناك أخطاءً وقع فيها مصمم الملابس، وأنه صنع أشياءً لم تكن موجودة، وصمم موديلات لم تلبسها النساء في ذلك الزمن. اختيار الملابس من أهم وأصعب المهام في العمل الفني، لأنه يرسم الشخصية بدقة، لا يمكن مثلاً أن تكون بطلة العمل في شخصية خادمة بينما هي ترتدي الملابس الفاخرة أو تظهر مفاتنها، ويمكننا أن نتذكر هنا فيلم "أحلام هند وكاميليا"، وكيف ظهرت نجلاء فتحي إحدى أهم جميلات الشاشة العربية بشكل الخادمة فعلاً. مسلسل "لا موسيقى في الأحمدي"، أتذكر كيف كان اختيار الأزياء مبدعاً ومناسباً للفترة الزمنية التي تجري فيها الأحداث، "ليالي أوجيني" أيضاً المسلسل الذي تدور أحداثه في أربعينات القرن الماضي كان ينقل بدقة أزياء ذلك الزمن. مهنة اختيار الملابس من أهم المهن في العمل الفني، ولا يمكن نجاح العمل بدونها، والمصمم الذي يقوم بالمهمة لا يجب أن يبتدع شيئاً، لأن المطلوب هو أن يقوم باختيار الملابس التي ترتديها الشخصية في الحياة الحقيقية، عليه أن يكون مثقفاً واعياً بحياة الناس في العصر الذي تجري فيه الأحداث، سواء كان ذلك في الحياة المعاصرة أو في زمن آخر، عليه أن يبحث ويجتهد ويعرف ماذا يرتدي الناس حسب شخصياتهم في الأماكن المختلفة، وحسب تكوينهم النفسي والقصة كما يريدها المخرج أن تصل للناس. يمكن مثلاً لفتاة فقيرة لكنها متطلعة أن ترتدي ملابس تشبه ملابس الأغنياء لكن من مواد أرخص، والفتاة الغنية التي تريد أن تظهر غناها سترتدي أشياء غالية ومبهرة حتى لو كانت في مشوار إلى السوق. مهمة اختيار الملابس ليست سهلة أبداً، لأن مسؤولية اختيار ملابس الأبطال والكومبارس تقع على عاتقه، وبالتالي تقع على عاتقه مصداقية العمل الفني بأكمله. المشاهد ناقد حاد، يمكنه أن يحاسب القائمين على العمل لو ظهر البطل بساعة يد لم يتم صنعها إلا بعد الفترة التي يتحدث عنها العمل بسنة!. العمل الفني مرهق، وصنعه يتطلب الإنهاك بالبحث عن الكمال، كل شيء فيه يجب أن يكون رائعاً وفي منتهى الدقة؛ لكن حين يتم ذلك، يكون النجاح الذي يبقى خالداً على مر الزمن.