في السنوات القليلة الماضية صممت الفنانة سحاب الراهب أزياء أكثر من أربعين مسلسلاً وفيلماً ومسرحية، بينها الكثير من الأعمال التاريخية ومسلسلات الفانتازيا التي تتطلب أزياؤها أنماطاً غير مألوفة، بالإضافة الى الأزياء العصرية وأزياء التاريخ القريب. ولم يكن تميز هذه الأعمال لجهة العدد فقط، بل لجهة النوعية الى درجة ان أحد النقاد الذين كتبوا عن مسلسل نجدت أنزور "الجوارح" الذي صممت أزياءه سحاب الراهب، تطرف في الرأي واعتبر ان الأزياء والملابس هي من الأبطال الرئيسيين في هذا المسلسل. وفي التعريف المكثف لهذه الفنانة نذكر انها عاشت في أسرتها أجواء فنية وأدبية، فوالدها هو الكاتب الروائي هلال الراهب، وعمها هو الروائي الكبير الراحل هاني الراهب، وشقيقتها هي المخرجة والممثلة واحة الراهب، وشقيقها هو الفنان التشكيلي معد الراهب. وهي خريجة كلية الفنون الجميلة في دمشق، ومصممة ديكور الى جانب تصميم الأزياء... حازت جوائز عدة منها جائزة مهرجان القاهرة عن أزياء مسلسل "الجوارح"... وهي متفرغة للعمل الفني، ومع هذا ترفض الاحتراف وتعمل بروح الهواية. بماذا يختلف تصميم الأزياء للأعمال الفنية، عن الأزياء العادية؟ - الذي في التصميم العادي يمكن ان يرتديه أي انسان، أما في الأعمال الفنية فهو مصمم لشخصية محددة... وأنا أقرأ النص أكثر من مرة، ثم أخلو بنفسي وأتصور الشخصيات، وأدرسها جيداً، وأختار التصميم واللون ونوع القماش المناسب... هذا في شكل عام... أما إذا كان لا بدّ من التخصيص، كأن يكون العمل تاريخياً أو من نوع الفانتازيا... فالأمر مختلف. كيف؟ ولنبدأ مع الفانتازيا؟ - الفانتازيا ليست عملاً بلا جذور، ولا بدَّ من أن يكون لها أساس تاريخي في شكل أو في آخر، وان كانت غير موثقة لأنها تعتمد قصصاً متخيلة من دون اعتبار تحديد الزمان والمكان بدقة، ومن هنا كانت قصتي مع تصاميم مسلسلات الفانتازيا وأزيائها متعبة، وتتطلب جهداً استثنائياً، كمن يحاول ان يزيّن أبطال حدوتة متخيلة يرويها للأطفال... فهو لا يرويها حرفياً، بل يضيف ويحذف، ويستخدم عبارات فيها تشويق واثارة. الجوارح... مثالاً هل نقف على مثال؟ - نأخذ مسلسل "الجوارح" كمثال... استخدمت في هذا المسلسل قماش الشيفون نوع من المخمل بكثافة، لأنني شعرت بأن هذا النوع من القماش يرتبط الى حد كبير بالحلم الكائن داخل الأبطال، وتعمدت استخدام اللون الأخضر، ودرست موضوع استخدام بقية الألوان لتكون معبرة عن واقع القبائل. اخترت الواناً لكل قبيلة مختلفة عن الأخرى... ففي قبيلة الجوارح - مثلاً - كان هناك واقع نظامي منضبط متمثل في شخصية الأب، فاخترت له اللونين الأخضر والأسود، ولما كان اللون الأخضر يمثل مأزقاً لي، لأننا كنا نصور ضمن طبيعة خضراء، فقد لجأت الى تدرجات هذا اللون، كما اخترت اللون الفوسفوري. أما قبيلة الأشعث، وهي قبيلة حضارة وسلام، فقد اخترت لها اللونين الأزرق والأبيض، بالإضافة الى الاهتمام الدقيق ببقية المظاهر، كالشالات، والفوانيس، ولون الخيام، وملابس النساء وحليهن. التاريخ... توثيق وماذا عن المسلسلات التاريخية؟ - أدرس أولاً الحقبة التاريخية التي يرصدها العمل، حتى القريبة منها كمرحلة حكم العثمانيين للبلاد العربية، أو مرحلة الانتداب الفرنسي، كما حدث في مسلسل "أخوة التراب" الذي يعود الى بداية القرن العشرين. فقد بحثت عن مصادر ومراجع دقيقة للمرحلة تساعدني في تصميم الملابس. فلم أجد، واضطررت الى طلب مراجع من فرنسا... علماً أن في الكتب والمتاحف والمراجع صوراً وتصاميم لحقب معينة من التاريخ ليس هناك عنها ما يثبت انها دقيقة في شكل مطلق إلا ما نستلهمه من الشواهد والأوابد والآثار المتبقية، علماً أنني أنفذ بعضها بأمانة. وأضيف الى البعض الآخر شيئاً من عندي على ألاّ يخرج عن روح العصر الذي يرصده المشهد. دندشة النساء هناك من يأخذ عليك المبالغة في "دندشة" النساء في الملابس والحلي ونذكر على سبيل المثال النساء في "القصاص" و"القلاع" و"الجوارح"... بماذا تردين على هذا؟ - عندما نقدم عملاً مستوحى من فترة كالجاهلية مثلاً، علينا ان ندرس روح الناس في تلك الحقبة، ومفاهيمهم عن الحياة والجمال وذلك بنوع من خصوصية معينة، والنساء في تلك الحقبة كن يتجملن، وينصب اهتمامهن على كثير من تفاصيل الزينة ولم يكن واقعهن مجرد خيام وصحراء ونساء شقيات... حتى الرجال في تلك المرحلة كانوا يتزينون، ويضعون الكحل على عيونهم، ويزينون شعورهم على شكل ضفائر معقودة. وماذا عن تشابه الأزياء بين مسلسلات الفانتازيا؟ - ليس هناك أي تشابه... فأنا أحاول دائماً ألا أكرر أزيائي في عملين حتى إذا كانا متشابهين في كونهما يرصدان حقبة واحدة، بالإضافة الى انني اتعامل في المسلسلات مع مخرجين مختلفين لكل منهم رؤيته ووجهة نظره. هل المواد الأولية التي تستخدمينها في عملك متوافرة محلياً؟ - أكثرها غير متوافر، ولهذا فنحن نلجأ الى التصنيع ومن هنا تأتي صعوبة مهمتي في تصميم اللباس والسلاح والحذاء وبقية الاكسسوارات. البطل كان المخرج علق أحد النقاد بقوله ان الملابس في مسلسل "الجوارح" كانت هي البطل... ماذا تقولين أنت! - البطل الأول في هذا المسلسل كان المخرج نجدت أنزور، الذي استطاع ان يستفزني ويتحداني فأعطيته أجمل ما عندي من براعة في التصميم... بالإضافة الى انه كان يدير الكاميرا بطريقة ساحرة، ويحقق مشهدية لم يسبقه اليها أحد، أقول هذا بعد ان عملت معه في مسلسلات عدة منها: "نهاية رجل شجاع"، "الجوارح"، و"أخوة التراب". وماذا عن المخرجين الآخرين؟ - تعاونت في صورة فيها الكثير من التوافق في الذوق والاختيار مع المخرج مأمون البني في مسلسلات مثل: "اختفاء رجل"، و"البدوي" و"القصاص" و"المهر الدالي" و"القلاع" على رغم تباين مواضيع وأزمنة هذه المسلسلات، وكذلك الأمر مع المخرج هيثم حقي في "هجرة القلوب الى القلوب" و"الدغري"... كما عملت مع المخرج باسل الخطيب في اعمال عدة منها: "أيام الغضب"... و"يوم بيوم"، بالإضافة الى الكثير من التمثيليات والسهرات التلفزيونية والمسرحية التي تعاونت فيها مع المخرجين والمخرجات: نائلة الأطرش، واحة الراهب، دريد لحام، أيمن زيدان، بالإضافة الى رسومات الكرتون الخاصة بالأطفال... عند الوقوف مع أعمالك التي وصلت الى الأربعين، والتي حققت مثل هذا الابهار وهذا التميز، قد نتساءل: هل هناك طموح آخر؟ - لا يقف الطموح، وبخاصة لدى الفنان، عند حد، وأنا أطمح دائماً لإنجار عمل أفضل... ولهذا اعمل بروح الهواية لا بروح الاحتراف.