"أفلحت ورب الكعبة"! هذه العبارة وعبارات تحفيزية مُشابهة فاضت بها آلاف الردود على التغريدة التي أعلن فيها الشاعر المعروف خالد المريخي "اعتزال الشعر الغنائي"، إضافةً إلى العبارات التحفيزية كانت الردود على إعلانه مزيجاً من التهاني من المؤيدين بخروجه مما وصفوه ب "مستنقع" الغناء، والتحذيرات من "شياطين الإنس" الذين سيسعون لحثه على الرجوع إليه، والتهنئة والدعاء له بأن يثبته الله على "توبته". كما لم ينس بعض المؤيدين لقرار الشاعر تقديم النصيحة له بأن "يوظف" قصائده القادمة في "ذكر الله والتذكير به". ومن جهة ثانية أبدى فريق من المتابعين آراءً مخالفة للفريق "المبتهج" بتوبة المريخي، فمنهم من انتقد الصيغة التي استخدمها ورأى أن الهدف منها هو جذب الأضواء، ومنهم من رأى أن هدفها هو استدرار العاطفة الدينية للمتابعين بالاستشهاد بآيةٍ قرآنيةٍ وبربط إعلان توبته بقدسية المكان "المسجد الحرام" والزمان "شهر رمضان". قرار اعتزال الشعر الغنائي أو الغزل أو اعتزال الشعر عموماً قرار شخصي يخص الشاعر نفسه، وسبق لشعراء مبدعين أن اتخذوا هذا القرار بقناعة تامة، وهم في أوج توهجهم، وغابوا من دون إحداث أي ضوضاء، وأقرب أولئك المبدعين للذاكرة: متعب التركي ومشعان البراق، لكن المريخي فضّل أن يبتعد عن وسط الشعر الغنائي الذي حضر فيه وتميز لأكثر من عقدين بطريقة مختلفة لا يصح الجزم بقصده من اختيارها، وقد صدق الشاعر نواف الصويمل حين ذكر أن المطلع على كثيرٍ من الردود التي بالغت في الابتهاج بمضمون تغريدة المريخي قد يظن أنه اعتنق الإسلام حديثاً تزامناً مع إعلانه اعتزال الوسط الفني! لم يستبعد بعض الذين علّقوا على أسلوب "توبة" المريخي عودته إلى مجال الشعر الغنائي بعد حين، وأرى أن هذا الاحتمال وارد جداً، ومن دون أي حاجة لجهود من وصفوا بأنهم "شياطين الإنس"، فما أسرع ما يُراجع الإنسان قناعاته ويبدلها في أمور الحياة، أضف إلى ذلك زوال الإغراءات القديمة في ساحة الشعر الشعبي بزوال العصر الذهبي للصحافة الشعبية، لتصبح ساحة الشعر الغنائي هي الأكثر جاذبية للمبدعين من الشعراء والقادرة على منحهم شيئاً من الشهرة والكسب المادي، لكن المفارقة هي أن فئة من الشعراء الذين يسلكون طريق التملُّق والمجاهرة بالمدح الكاذب لكل "من هبّ ودبّ" للحصول على المال يفضلّون هذا الطريق دائماً ويرونه مشروعاً في مقابل رفض وتحريم طريق الشعر الغنائي! وبغض النظر عن خطأ أو صواب الخطوة التي اتخذها المريخي إلا أنّها خطوة جريئة وحقٌ من أبسط حقوقه، لكن الناظر في أسلوب الإعلان وتصوير الابتعاد عن الشعر الغنائي في صورة "توبة" عن "ذنب" كبير يعني أن الشاعر "أحرق جميع مراكبه" للعودة، ولن يكون في استطاعته ذلك، في حال رغبته، إلا بامتلاك جرأة أكبر لنقض "توبته" الأولى.