عندما يتوقف المعنى الديني القويم تتعطل القيم، وتنتعش الأهواء، وتشتعل الشهوات.. اليوم يعيش البعض في الفخ التقني الذي سمح بمحاصرة التفكير القويم، وخنق الحكمة في عقول المشردين على منصات تسمى وسائل تواصل.. الإبهار التقني يمارس ضغطاً رهيباً على عقول أشبه بالأقدام لا يمكن مقاومته.. تزداد حدتها بالتوهج المستعار.. وتثور بالحرمان من الضوء. امرأة تضع نعمة الله من الشكولاته في مكان لا يليق.. وأخرى تستهزئ بالمعاقين، وشخص يضع أموالاً في دلة قهوة، وآخر يؤكل ناقته مالاً، وأحدهم يصور مقالب سيئة لأصدقائه، والآخر يغمس كرامته بالسخرية من نفسه ليضحك الناس، وسيدة تنقل مباشرة تفاصيل حياتها وأولادها وطبخها وسفراتها وقصصها بلا معنى، ورجل يظهر أبهته وممتلكاته.. ومدى ثرائه ويستثير العجب حوله ووو.. وحالات كثيرة لا تعد الكل رآها والكثير تناقلها ونشرها. كل ذلك جعلنا نتيقن أن شراسة وسائل التقنية (سناب شات، انستغرام، تويتر، فيس بوك) اغتالت أخلاق البعض المهووس بالشهرة مما تركهم يظنون أن كل ساحة ومنصة يمكن استباحتها، وأن المجتمع سلة نفايات يمكن أن يرمى فيها كل محتوى هابط.. فأفسد ذلك سمتهم ومروءتهم، ولوث كرامتهم، وأسقط سمعتهم، وألغى فهمهم للواقع.. فكانت تفاصيل عيشتهم وهتك أسرارهم السلعة في سوق المتعة والكسب، وكسر حياتهم الشخصية هي بضاعتهم للربح، فتحوّل كل ما هو اجتماعي إلى تجارة. ما يحدث حقاً يبرز أمثلة على شدة التأثر، ودرجة التشويش، ومدى الاستمالات التي تكون بين الناشر والناقل والناظر فهم يشتركون في حالة اللاوعي القيمي الذي يذيب رشدهم، ويصهر تعريفهم للأمور كما ينبغي فالناشر الأساسي يصنع المحتوى، والناقل يتوقف هوسه بالنشر والتمرير المتعجل، والناظر تكمن حيلته فقط في "التفرج" والمشاهدة.. لذا فهم يشتركون في انهيار الأخلاق.. وتنذر بوضعية تصبح القيم فيها معدومة. تكمن مشكلة أخرى في أولئك المشردين في عالم التقنية صانعة الشهرة لهم حيث يصبحون ويمسون مستسلمين للتعالي، ومقيدين بالتبرير الهزيل لسلوكهم التقني.. فيمارسون تصرفاتهم بهوية تتحرك نحو تفتيت الذات، ونحرها بقناعات غير واعية ولا منطقية. تأملوا حين تسخر امرأة من معاق وتسارع بنشر مقطعها دون تردد كيف يمكن لنا أن نفسر سلوكها ونحلل عقلها ونصف فهمها وهي مغيبة في الأساس عن وعي أن هذا السلوك غير مألوف ومرفوض وخارج القيم الدينية والاجتماعية.. وأن المهم لديها هو صناعة محتوى ما يجلب ويجذب متابعين ومشاهدين بكثافة ويتوجب ألا تتأخر. ويبقى القول: مزعج هذا السقوط المريع في قيم البعض على حساب استجداء المتابعين وزخم الشهرة.. ومؤلم أن يفقد ذلك المشهور فهمه للحياة المسؤولة، ووعيه بأنه مرهون في الآخرة بما يصنع ويكسب.