استطاعت الدراما الخليجية أن تقدم مادة درامية شهية للمشاهد، ذلك بالتركيز على الأحداث التي بدت هذا العام بأنها تسير وفق نسق واحد من اللون التاريخي القديم "الكلاسيك"، والذي نجحت فيه الدراما الخليجية بصفة عامة، على أن تدخل السباق التلفزيوني بمسلسلات أكثر رصانة وحبكة من أعوامها السابقة، هذه الفكرة التي تلمس الجانب التراثي في نفوس الناس هي التي منحتهم الفرصة أن يتابعوا أحداث تاريخهم الماضي، اكتشف المنتجون أن هذا الخط هو الذي سيمنح الدراما الخليجية فرصتها للخروج عن خطها الرتيب الذي اعتاد عليه طيلة الأشهر الماضية إلى خط آخر ممتع. هذه المواد الدرامية تستمد من قصة لها تداعيات عميقة تتصاعد ذروتها كلما اتجهت نحو هذا الخط الذي يركز على الماضي بأحداثه وتداعياته، ليزيد من عمقه في الذاكرة، سواء من خلال الأحداث التسلسلية أو العبارات أو من خلال الإكسسوارات التي تنقلنا من حقبة زمنية إلى أخرى، على الرغم من وجود بعض الملاحظات التي أخذت على بعض تلك المسلسلات التي طرحت في رمضان الكريم، إلا أنه في المقابل يوجد عدد كبير منها قدمت حكاية تراثية لامست قلوب الناس ونقلتهم إلى زمن جميل ممتع كعقدي "الخمسينيات" الذي قدمته الدراما الكويتية في "دفعة القاهرة" و"لا موسيقى في الأحمدي" وأيضاً في السبعينيات والثمانينيات عن "العاصوف" مع وجود تعطش لوضع تلك الحقبة الزمنية في ذهنية المشاهد لاسيما من الجيل الجديد الذي لم يعش تلك الفترة الزمنية. مع هذه المحاولات الكبيرة لعقد الارتباط بين مراحل التأسيس للبيئات الخليجية كيف كانت ومن أين بدأت وكيف كان الناس يعيشون ثم أي أنواع المشاكل اليومية المعايشة إلى التقاط الصورة النهائية لهذه الأحداث التراثية التي نصل بها إلى القرن العشرين حيث العصرية المطلقة في الثياب وتناول الطعام، ونوع المنازل التي نسكنها، والأهم التغير في نوع الحياة وأسلوبها بكل ما تحمل من تفاصيل دقيقة اختلفت عن الماضي. ثم يأتي التركيز على أهم الأحداث التي صنعت بوناً شاسعاً، ليس فقط على مستوى الحياة الاجتماعية، إنما على مستوى الحياة السياسية والدينية كما شاهدنا في مسلسل "العاصوف" الذي أعاد للأذهان حادثة اقتحام الحرم "1979" وطرحت بشكل مؤثر أعطى مؤشراً عن تفاعل الجمهور في وسائل التواصل الاجتماعي مع الأحداث التي مرّت على المملكة، وكذلك الصراع الاجتماعي المتصاعد في مسلسل "الديرة" ثم مسلسل "لا موسيقى في الأحمدي" وكذلك مسلسل "دفعة القاهرة"، وإن خرجت هبة مشاري حمادة في هذه الدراما عن نسقها المعتاد من تصاعد الأحداث إلى حلقة تدور في فكرة العلاقات خارج أرض الوطن بإطار الابتعاث مما خلق نوعاً من الرتابة المملة مع محاولة لربط ذلك بالتيار الشيوعي، وتأثيره على الحياة السياسية في مصر في زمن الخمسينات. لم تقدم لنا الدراما الخليجية هذا العام دراما تراثية محبوكة بحرفية فقط إنما استطاعت أن تنقلنا من زمن إلى آخر بكل سلاسة وخفة وكأنما الزمن لم يمُر والوقت لم يمضِ.