هل يكفي لنجاح عمل استثمار دواعي الحنين المرضي «النوستالجيا»؛ والاتكاء على جوهرانية بعض القضايا وزخمها لعمل درامي ناضج مُقنِع وقادر على مجابهة المشاهد العصري المتسلّح بخبرات معرفية ونقدية وثقافية وكذلك ذوقية بالأعمال والفنون على اختلاف مشاربها؟ خيالات وأحلام ينسجهما المشاهد السعودي كل عام ممنياً النفس بعمل درامي يسد رمق جوعه الفني فإذا به يسد نفسه.. دراما سعودية في مجملها تعصف بآمال السعوديين المتطلعين إلى ما يواكب النهضة الثقافية المعاصرة التي تشهدها المملكة والاهتمام الكبير الذي يولى إليها، مجاميع بشرية تتجول أمام الكاميرات بلا خطة وبلا هدف وبلا فائدة.. الدراما كأحد ينابيع الثقافة السائلة التي تصنع لتشكل أثراً.. تثقيفياً أو ترفيهياً، علمياً أو لغوياً، تاريخياً أو فلسفياً، ومن دون ذلك الأثر وتلك المقومات فهي ليست من الدراما في شيء. حملة استباقية لا أظنها بمحض الصدفة لأي عمل يكون القصبي طرفاً فيه منذ طاش ثم سيلفي ومن ثم العاصوف، وهي أشبه برمي السنارة، بحدث غير مألوف ليبقى المشاهد في حالة ترقب وهي مصيدة بالية لم تعد تنطلي على مشاهدي اليوم كما حدث في «لقيط» الجزء الأول و»جهيمان» الجزء الثاني.. وبالتالي ما هي إلا أضواء وضجيج الألعاب النارية التي ما إن تظهر حتى تخبو وإلى الأبد.. وهو ما بانت بواكيره في «العاصوف 2»، ومن المتوقع أن تستمر الحال على ما هي عليه إذا لم تكن هناك وقفة جادة من التلفزيونات العارضة تجاه المنتجين ومن ثم من المنتجين تجاه الكتاب والممثلين والمخرجين ويفضل أن يكون هناك غطاء رسمي يتبناه التغيير والتطوير تنهض به وزارة الإعلام.. أما فيما لو لم يحدث شيء من هذا فسيكون المستقبل نسخة مكررة من الحاضر كما كان الحاضر نسخة مكررة وربما مشوهة من الماضي، أعني في صناعة الدراما. طالعنا العاصوف بحلقات متصلة شكلاً ومنفصلة مضموناً، فبين شقاق الأخوة واختلافهم على الميراث والتقاضي والمشكلات الزوجية هوّات وبون شاسع لم يستطع فريق العمل حبكها بطريقة تجعل منها شرايين تنبع من الوريد وتغذي المتن كأحداث فرعية تكبر وتتكون نتيجة تصاعد الوتيرة الرئيسة في سياق العمل، وهو ما يبدو للرائي وكأنه لا يوجد خط درامي رئيس للعاصوف وهو ما ينفي السيناريو المعلن والمعد منذ سنوات. القصبي ملامح فرائحية لأدوار جادة كنا ننتظر مسلسلاً يحاكي حقبة زمنية غابرة ويغوص في تفاصيلها الصغيرة ويمحص مفارقاتها العريضة ويشبعها بإيجاز وتكثيف كون تلك الحقبة مليئة بما هو حري بالطرح والمكاشفة بعيداً عن التمطيط والتنميط الممل الذي لا يعكس الجهد والوقت المهدورين لإعداد ثلاثين حلقة فقط، لا تتجاوز الحلقة الواحدة نصف ساعة إذا ما أخلي سبيلها من الإعلان الذي لا يقل مللاً وتكراراً. أغلب الممثلين السعوديين يتجهون للكوميديا، وليتهم كذلك، بل إنهم لا يفرقون بينها وبين التهريج، لذلك تتطاير من أفواههم النكات بسذاجة مستفزة، مغفلين بهذا الخطأ الفادح أن الكوميديا تقوم على ركيزة أساسية وعلم ظاهر يسمى كوميديا الموقف وليس اللعلعة والتمتمة المختومة بضحكة مغصوبة على مصافحتنا بشيء من الوجوم وعدم الرضا، وهذا ما يتضح في ملامح عدد من الفنانين وعلى رأسهم ناصر القصبي وهو يؤدي أدواراً جادة وتجده فيها أقرب للضحك منه للجد، وهذا ما ينطبق على رفيقه في هذه «العاصفة» الفنية حبيب الحبيب الذي لم يتجاوز «الأداء» فقط وكأنه جاء ليقول ما حفظ ويذهب، وبذات الملامح الغارقة في الكوميديا المصطنعة، في دور تراجيدي بحت. وما زاد الطين بلة القفز على الحقائق في زمن عرفت النساء فيه ببر أزواجهم وطاعتهم والتودد لهم لتظهر امرأة من ذاك الزمان لتقول لزوجها: «كل تبن»! هذه الصفاقة في القول التي تخلو من «أدبيات الأسرة» بشكل عام حتى في وقتنا الحالي بعد ما يقارب نصف قرن عن زمن العاصوف، وإن حدث شيء من الخلاف وهذه سنة الحياة فهذه اللفظة غير دارجة حينها ولم تكن المرأة تجرؤ على قولها أدباً قبل كل شيء وخوفاً بعد كل شيء من زوجها وأهلها أيضاً.. وهذا خلل فني كون الموضوع تاريخياً وليس من بنات خيال الكاتب، والأطم أن هذا النقل التاريخي المغلوط عصف بأبجديات حقبة زمنية جميلة ما زال بعض من عايشها يتمنى لو أن تعود. أحد مشاهد العاصوف 2