محمد جبر الحربي اسم له وزنه الثقافي والإعلامي والإبداعي ومسيرة طويلة في الوسط الثقافي السعودي وأحد نجوم المشهد الثقافي الصاخب حينذاك إبّان ما عرف بصراعات الحداثة والصحوة.. ها هو يتحدث اليوم ل»الرياض» بكثير من الشفافية والعمق في هذا الحوار.. أتوارى عن الأضواء المحرقة * أين هو محمد جبر الحربي الآن؟ ولمَ أنت مقلّ في الظهور وبعيد عن الضوء؟ * لستُ مقلاً في الحضور بمعنى الإنتاج والعطاء، فأنا أكتب زاويةً أسبوعية «أعراف» لثقافة الجزيرة، وأشرف على مجلتي «هُنا الرياض» وموقعها، وموقعي الرسمي، وأعمل على دواويني، ومن جديدها: الأعمالُ الشعرية، والشكلُ والمعنى، ونشرةُ أخبارٍ لراحل. تجربة الثمانينات فردية وناجحة وأنا حاضرٌ بشكل مستمر عبر الوسائط الاجتماعية كتويتر، هذا كله في جانب. لكنني أعمل بشكل رسمي مستشاراً لمؤسسة بدر بن عبدالمحسن الحضارية. أما عن الضوء، فأنا أحضر بقدر كلما كان لدي جديد، ولا أحب الأضواء التي تحرق الأديب، وأشعر أن من له «في كل عرس قرص» يتعَب، ويُتعِب، كما أن الحوار أو الكاميرا لا يعكسان في الغالب الصورة الحقيقية للمبدع. قيمةُ المبدع في إنتاجه، وما يقدمه من حفر معرفي للناس والوطن، وما يرسمه كصورة لحضارة وطنه، أهم بكثير من ظهوره الدائم تحت الأضواء. * كنت من نجوم الحداثة في الثمانينات ومما يؤخذ على تلك الحقبة توقفها عند الجانب الشعري والأدبي هل هذا صحيح؟ الصحافة خدمتني إعلامياً وشاعراً * وأعتقد أنني لا أزال.. ما قمنا به كان جهداً فردياً، عبر مؤسسات إعلامية لها في النهاية سقف منخفض، وكان هنالك جانب إبداعي مهم يُبنى عليه، ومازلت مواصلاً جهودي دون كلل أو ملل. لقد كنا نعمل في ظروف صعبة كل حسب طريقته وطاقته، لكن تأثيرنا كان ومازال مهماً وقوياً، ولا يمكن محوه، بدليل ما تنتجه الساحة اليوم من إبداع مختلف وحديث يعتبر امتداداً لتجربتنا، وتأصيلاً لها. o عملك في الصحافة لسنوات طويلة خدمك إعلامياً لكنه أضر بك شعرياً ما ردك؟ * بل العكس صحيح، فقد كنت قريباً من الحدث بشكل عام، وكنت ملماً بالواقع الثقافي والفني المحلي والعربي والعالمي، وكنت أطلع على عشرات الأعمال الإبداعية يومياً، وعليَّ أن أبقى على اطلاعٍ على كل جديد. الصحافة فتحت لي نافذة مهمة على الداخل والخارج، والتقيت عبرها بشخصيات أثرت على مسيرتي الشعرية والإعلامية، وأثرتني بثرائها المعرفي. كما أتاحت لي دعم المواهب الجديدة في شتى الفنون، وهو أمرٌ أعتز به كثيراً. * كيف ترى الصحافة الثقافية في زمن القنوات الفضائية والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي؟ * كانت الصفحات الثقافية هي الواجهة للمثقفين والحاضن للموهوبين، وعبْرها دار الحوار، وعبَر المبدعون، فقد كان الكتاب نادراً، ومصادر المعرفة شبه معدومة. اليوم أصبح فضاء الكلمة واسعاً أمام المهتمين بها، ومبدعيها. كل ذلك له تأثير، ولكن مازالت الملاحق لها وقعها الخاص لدى مريديها، ومن خرجوا من ثناياها. * كثير من مشروعاتك الثقافية مثل مجلة (هنا الرياض) أو دار النشر (أعراف الرياض) لم تجد انتشاراً كبيراً لماذا؟ * قلت لك هي جهود فردية لا مؤسساتية أو جماعية، لا يتوفر لها الدعم، لكن المجلة والحمد لله استمرت أربع سنوات، في الوقت الصعب، وحققت نجاحاً وسمعة طيبة، ونحن نقوم بتطوير موقعها، وفكرتها، وأهدافها، بما سيفاجئ الجميع إن شاء الله قريباً، أما دار أعراف للنشر فهي قائمة كمكتبي أعراف الرياض، الذي أتركه ويعيدني الحنين إليه، فأعود بأفكارٍ جديدة، وأمل متجدد. * فوزك بجائزة وزارة الثقافة والإعلام العام 2013م هل يمكن اعتباره بمثابة تكريم؟ أم أن ما قدمته يستحق تكريماً أكبر لم يلتفت له أحد بعد؟ * لا أريد أن أبدو متكبراً أو متعالياً، التكريم ثمرة جهد وتعب وتأسيس ومواصلة وعناد رغم الظروف الصعبة التي مررت بها، كذلك تكريم وزارة الإعلام لي ولزملائي أيام معرض الكتاب هذا العام 2019 كشكرٍ على مسيرتي الشعرية.. وهم يُشكَرون على ذلك وأنا ممتن لهم، لكن ما أحلم به، وأسعى إليه، ومن حقي ذلك، أكبر بكثير.. والهدف ليس التكريم بعينه ولكن استكمال مشروعي الشعري والثقافي، وترسيخ تجربتي الثقافية، وأنا متفائل بإيصال رسالتي الإبداعية. * تعمل الآن في مؤسسة الأمير بدر بن عبدالمحسن لخدمة الثقافة والأدب السعودي والتعريف بهما عالمياً حدثنا عن هذا المشروع وإلى أين وصلتم به حتى الآن؟ * نعم، هي مؤسسة بدر بن عبدالمحسن الحضارية، وقد أسست بتكليفٍ من الدولة، وبدأت أول أعمالها في مجال الإبداع الثقافي والفني في مهرجان سوق عكاظ في دورته الحادية عشرة 2017، ثم تتالت الأعمال المميزة كعكاظ 2018، والجنادرية، وحفل وزارة الثقافة لإعلان استراتيجيتها، والقدية، ومجموعة كبيرة من الأعمال الغنائية، وقد كان العمل انطلاقة مهمة للمؤسسة وركيزة أساسية في العمل الإبداعي على مستوى الوطن. وهي مؤسسة ثقافية غير ربحية، تكمن رؤيتها في نشر الثقافة والفنون، والنهوض بالإبداع السعودي داخل المملكة عبر استلهام التراث الحضاري للمملكة، ورفع سقف الإبداع، والعناية بالجديد المختلف، ودعم الموهوبين والموهوبات في شتى المجالات، وتغيير المفهوم العام للاستعراضات والأوبريتات والدراما والمسرح، وتسليط الضوء على التجارب المهمة التي لم يقدر لها أن ترسخ عبر الأعمال المطبوعة، أو عبر الإعلام. وفي الخارج عبر إنتاج ضخم للمسلسلات والأفلام، وكذلك للأعمال الشعرية والروائية والفكرية والموسيقية، والوصول بها إلى أعلى المراتب عالمياً. باختصار هو جهد كبير لرسم صورة حقيقية للمملكة العربية السعودية عبر إبداع أهلها عبر التاريخ. ونحن اليوم نبني الشراكات والاستراتيجيات لنصل بالإبداع السعودي للعالمية، كل هذا برؤية الشاعر المبدع الأمير بدر بن عبدالمحسن، وإدارته وإشرافه، مستنداً على تجربته الثقافية الأصيلة المميزة، وأفكاره الجديدة المتجاوزة، يساعده في ذلك مجلس فني استشاري مبدع، وإدارة خلاقة.