أنت مدعوّ لمناسبة مهمة، تَقترب من المكان الهدف لتُفاجأ بشيء من الطين في طريقك، تبحث عن طريق آخر كي لا تدوس الطين بحذائك الجديد، ولكن للأسف لا بد من ذلك.. تتكدر حينما تراه قد عَلِق بالحذاء، ثم تسعى جاهداً لإزالته. يوجد الطين بكثرة في كل مكان، له استخداماته الكثيرة، فهو بيئة الزراعة. وفي يد الحِرَفي تُصنع منه الأواني الجميلة، والخزفيات اللامعة. وفي فن البناء يتحول الشتات إلى بيت؛ لبنة ولبنة وبينهما ما يمسك بهما - كل ذلك من طين. ليس الإنسان سوى طين نُفخ فيه فارتقى، فكان أفضل من الملائكة، له مكونان أساسيان؛ مادي وغير مادي، الجانب المادي هو ما يَشترك فيه مع بقية الطين والجرة والبيت، بل ومع الكلب والحمار، أقصد مادة التكوين الأصيل؛ التي تُمكنُنا من الزراعة، ومن صناعة أواني الطعام والشراب، وما يُمكِن أي يكون البيت الآمن. وللطين ألوان مختلفة، ودرجات في اللزوجة متفاوتة، أثّر لون الطين في أشكال البشر وألوانهم، كما أثّرت درجة اللزوجة في طبعهم وطبائعهم. ولكن ما يُحرك الجزء المادي من الإنسان أجزاء أكثر أهمية، هي الروح، والنفس، والعقل، والقلب. فالجسد - أي الجانب المادي - ليس سوى جرة، قبل نفخِ الروح فيها؛ اكتشف إبليس كم هي خاوية، وبعد نفخ الروح فيها تساوت مع الحمار، أو مع أي حشرة تخطر ببالك، وأقصد بالعقل هنا اللُب، وهو الجزء الذي يميز الإنسان، وبه يكرَّم عن كل ما خُلق سواه، أما القلب فهو ما أودعه الله من رحمة ورأفة وإنسانية -تُخفف من جنون العقلانية المفرطة، وهشاشة الجسدية المطلقة. الإنسان من دون روح جثة توارى في التراب قبل أن تتعفن، ومن دون الطين يكون روحاً لا يمكن إن يُختبر، وبذلك ينتقل لمهمة التسيير بدلاً من عزة التخيير، فيبطل الامتحان. وهو من دون العقل كحيوان، ولك أن تتخيل أو تتخير أعزها شأناً. لكن الشيء لا يعود كما كان بعد نزعِ ما غُرس فيه، فجَسَدُ الإنسان - بعد نزع الروح منه - لا يصلح للزراعة كما الطين، وجنون الإنسان لا يجعل منه بقرة حلوب، ولا كلبا وفيا، ولا حتى ما قمتَ باختياره سابقاً؛ أيُ خلقٍ مما يكبُر في صدر صاحبه!. تكمن المشكلة في طغيان أحد المكونات على الباقي، أحيانا، نرى من يستعمل عضلاته في مواقف سوء التفاهم، بدلاً من استعمال عقله للتفاهم، ذلك حينما يطغى الجسد، أيضا، حينما يطغى العقل؛ يُخرج ذلك الكائن من إنسانيته ويتمثل في آلة تتخذ القرارات العقلانية بعيداً عن العقلانية - أي بعيداً عن أي حساب إنساني.