لم تستطع الموائد الرمضانية أن تتفلت من «فلاشات» الكاميرات المختلفة، والتي أصبحت تجيد فن تصوير الأطباق على تنوعها في السفرة من جميع الزوايا، وتدخل السفر ذلك السباق الرمضاني الذي أصبح عُرفا اجتماعيا منتشرا في جميع المنازل، وعند الكثير من الأسر، من منطلق انتشار تنوع الأصناف والأكلات الرمضانية بين المتابعين في «السناب شات» و»الانستقرام»، حتى أصبحت تلك الموائد وتلك الأطباق على تعددها تعد من أجل أن تزين الصورة التي ستلتقط قبل موعد الإفطار بدقائق، وليس كي يستمتع بتناولها أفراد الأسرة. ووجد البعض من المختصين بالمجال الاجتماعي أن مثل هذه الظواهر تدفع الفرد إلى مزيد من «البهرجة» والبحث عن التباهي غير المفيد لدى غيره من الناس، فللأسف أن التقاط الصور لم تعد من أجل استمتاع أصحابها، أو تذكر مثل تلك اللحظات التي تجمعهم على سفرة واحدة، ففي السابق كانت الأسرة تلتقط صورة جماعية لها في لحظات الإفطار من منطلق الذكرى، في حين اختلفت الصورة اليوم، والتي أصبحت تظهر الأطباق المختلفة فقط دون أفراد الأسرة؛ لأنها ستنتشر في مختلف قنوات التواصل، في حين أبدت الكثير من ربات المنازل تذمرهم من هذه الصور التي تلتقط، والتي تعيق الاستمتاع بلحظات الإفطار وبأجواء الروحانية التي لا بد أن تحضر قبل موعد الإفطار. حياة مكشوفة ورأت نعيمة السالم -ربة منزل- أن انتشار عادة التصوير لكل التفاصيل الكبيرة والصغيرة في حياة الأسرة من الأمور التي تدفع للكثير من الخلافات والمشاكل، لا سيما في واقع الأسرة، فالمشكلة الكبيرة أن مثل هذه الصور التي أصبحت تسلط على كل حدث وكل تفصيله في المنزل وفي واقع الأسرة، جعلت من حياة الناس الخاصة مكشوفة، متأسفةً على أنه انتفت الخصوصية ولم يعد هناك حدود لأي شيء، وهذا ما حدث أيضاً لموائد رمضان التي أصبح الناس يتسابق على تصويرها حتى ينشرها في مواقع التواصل الاجتماعي ويحصل على نسبة مشاهدة من خلال تباهيه بأطباق سفرته الرمضانية، مبينةً أن العديد من الفتيات أصبحن يدخلن المطبخ من أجل إعداد بعض الأطباق ليس من أجل تناولها، ولكن من أجل أن تصبح الصورة أجمل، وهذه هي المشكلة، لذلك فإن الكثير منهن يقمن الدنيا ولا يقعدنها إذا لم تعد أطباقا مميزة، وأصبحت السفرة بسيطة لأن الصورة ستختفي. عُرف اجتماعي وأكدت تماضر عبدالله -صاحبة مشغل نسائي- على أن التقاط الصور للموائد الرمضانية أصبح عُرفا اجتماعيا شديد الانتشار، ليس فقط على مستوى المواطنين، إنما أصيب الأجانب بذات العدوى، فعاملاتها في الصالون يقمن بتصوير سفرتهن الرمضانية، حتى من لم يكن منهن صائما لاختلاف ديانته، فالجميع يتسابق من أجل التقاط الصورة، مشيرة إلى ابنتها الصغيرة التي تحرص على الحضور قبل الجميع على مائدة الطعام، وما إن تلتقط صورها وتنشرها على سنابها حتى تغادر المائدة دون تناول الطعام، وحينما نطلب منها الجلوس من أجل تناول الإفطار تقول «المهم أني صورت، لا رغبة لي بالأكل»، وكأن القيمة المهمة في مائدة الإفطار برمضان تحولت إلى فلاش يسلط على المائدة دون أن يكون هناك استشعار لقيمة الصوم والإفطار الذي يؤجر عليه المسلم، وهنا الخطورة؛ ذاكرةً أن القيم الدينية دخلت في سباق التقنية وبدأت تفقد جوهرها بسبب تدافع الناس على تلك السطحية بالتعاطي مع رمضان، الذي يجب أن يغيّر من عادات الفرد، فإذا كان يدمن التصوير طوال العام لوضعها في حساباته الشخصية، فعليه أن يغير تلك العادات في شهر رمضان، ولكن للأسف لا يوجد هناك من يتفكر. هناك مبالغات وقالت امتثال الناصر -تعمل في المجال التربوي التعليمي-: إنها وضعت قانونا صارما في منزلها يمنع تصوير المائدة الرمضانية قبل الإفطار ونشرها في «السناب شات»، وطبقت مثل هذا القانون على الكبير والصغير من أبنائها؛ لأنها شعرت أن هذا يقود إلى الكثير من المبالغات والاختلافات على مستوى العائلة، كما أنها ترفض أن يكون هناك تباهي بالنعم من خلال تصوير الموائد الرمضانية، مشيرة إلى أنها عانت كثيراً حتى تقنع أبناءها، وعلى الرغم من أن هناك من يرفض ويرغب في التقاط الصور للمائدة إلاّ أنها تصر على عدم دخول مائدتها ذلك السباق الذي تجد بأنه غير محمود، مبينةً أن هناك الكثير من المبالغات أصبحت تحدث جراء تصوير الموائد الرمضانية، فبعض ربات البيوت أصبحن يحرصن على شراء مختلف الأواني الرمضانية ليس فقط قبل رمضان إنما طوال الشهر الكريم حتى يضعن الطعام في تلك الأواني التي يفضلن أن تختلف في كل سفرة، حتى يكون هناك لفت انتباه بالنسبة للمتابعين حينما تنشر صور مائدة الإفطار، ومن منطلق التجديد، وهنا المشكلة حينما تتحول السفرة الرمضانية من إطعام للصائم وفضل وبركة لتناول الإفطار بعد فضيلة الصيام إلى أن سباق من أجل أن يظفر بتعليق مميز، أو ثناء لشكل وتنوع تلك المائدة، حتى أصبحت حياتنا تدخل ذلك السبق غير المحمود جراء كبسة كاميرا تلتقط كل التفاصيل، حتى لم يعد في حياتنا تفاصيل مخبأة أو تحت الخط الأحمر، فالخصوصية غير موجودة مع الأسف. أولوية واهتمام وأشارت أمل عبد الحميد -أخصائية اجتماعية- إلى أن حرص الإنسان على التقاط كل تفاصيل حياته ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي إنما يعكس مدى اهتمامات الفرد وأولوياته في الحياة، ففي السابق كنا نشاهد السطحيين والذين لا يملكون فكرا ووعيا ممن يقومون بمثل هذه السلوكيات من تصوير كل تفصيله في الحياة، أين ذهبوا، وماذا أكلوا، وما نوع الطعام الذي يفضلونه في رمضان، مضيفةً أن المؤلم والذي يدل على أن هناك مؤشرا خطيرا أن حتى الأشخاص الذين يملكون وعيا وفكرا من متعلمين ومحسوبين على النخب أحياناً أصبحوا يدخلون ذلك السباق ويلتقطون الصور للطعام ولموائد السفر التي يتحلقون عليها، متسائلةً عن الهدف من تصوير مائدة الإفطار في كل يوم؟، متأسفةً أنه ذلك لا يبعد عن كونه تباهي وانتهاك لخصوية البيوت التي لم يعد لها خصوصية، مؤكدةً على أن المشكلة أن مبدأ حماية خصوصية الأسرة لم يعد موجود، والبيوت أصبحت مفتوحة على بعضها؛ بسبب تصوير كل التفاصيل والأحداث اليومية، لافتةً إلى أن المشكلة في انتشار هذا الفكر الذي أصبح يهيمن على محيط الأسرة ويضعها مكشوفة أمام الجميع بكل تفاصيلها، ذاكرةً أن رمضان بات من الشهور التي تكثر فيه الإغراءات التي تجعل من التقاط الصورة حالة ممتعة ومستفزة!.