أبْدَت مجموعة سامبا المالية تفاؤلاً حيال استقرار الوضع المالي الكلي في المملكة وقدرته في الحفاظ على تعافيه، في ظل انخفاض سعر الفائدة المتداول بين المصارف بدرجة قوية معقولة، في الوقت الذي يُظهر فيه النشاط غير النفطي انتعاشاً من جديد وتسارعاً في بعض القطاعات الاقتصادية. توقعات بانتعاش قطاعات التجزئة والتشييد والبناء من جديد في ظل خطط الإنفاق الرأسمالي ويرجع سامبا نظرته الإيجابية حيال استقرار الوضع المالي الكلي السعودي إلى الأصول الاحتياطية بالغة الضخامة والتي بلغت حوالي 64 % من إجمالي الناتج المحلي لعام 2018م والتي تعد واحدة من أعلى النسب في العالم، معتبراً أنه وعلى الرغم من التدفقات الخارجة الكبيرة من الحساب المالي في الربع الأخير من العام 2018م والتي بلغت 10.6 مليارات دولار أميركية والتي من المرجح أن يكون جزءاً كبيراً منها قد ذهب إلى استثمارات تقوم به جهات حكومية، الأمر الذي يُتوقع له أن يؤدي إلى تحقيق تدفقات داخلة مستقبلية إلى الحساب الجاري، فيما الضغط الذي يواجهه الريال السعودي في السوق الآجلة يظل ضئيلاً. ويرى سامبا في تقريره الربعي الذي صدر حديثاً تحت عنوان «المرصد الاقتصادي» في قراءة لاتجاهات اقتصاديات المملكة والأسواق العالمية للفترة الماضية والقادمة، أن من العوامل المحفزة لارتفاع التدفقات الداخلة الإدراج المرتقب لسوق الأسهم السعودية والبالغة قيمتها 536 مليار دولار أميركي في مختلف المؤشرات العالمية وأكثرها أهمية إدراجها في يونيو القادم في مؤشر «مورغان ستانلي للأسواق الناشئة» الذي يحظى بمتابعة كبير، وتبلغ قيمته 5.2 تريليونات دولار أميركي، حيث من المتوقع لسوق «تداول» أن تكون ثامن أكبر بورصة في المؤشر بحلول شهر سبتمبر القادم بحصة قدرها 2.7 % متخطية تصنيف المكسيك وإندونيسيا وبولندا. وأشار التقرير أنه وكجزء من التمهيد للإدراج في مؤشر «فوتسي راسل» فإن الأطراف الأجنبية قامت بشراء أسهم بقيمة صافية ناهزت 430 مليون دولار أميركي في الأسبوع المنتهي في 14 مارس وهو الأعلى على الإطلاق، ومن المتوقع أن تتسارع التدفعات الداخلة الأجنبية مع اقتراب الإدراج في مؤشر «مورغان ستانلي للأسواق الناشئة» رغم أن مقدار تلك التدفقات «لا يزال محل نقاش»، نظراً للتقييمات الموسّعة التي قدّمتها «تداول» لكن اعتبارات التكلفة بحسب سامبا قد تبدو ذات أهمية ثانوية بالنسبة للقيمة الاستراتيجية للبقاء داخل سوق الأسهم على المدى الطويل. واعتبر التقرير أن السيولة المحلية وافرة، حيث وصلت نسبة الودائع إلى القروض 78 % للقطاع المصرفي الكلي وفقاً لبيانات مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) وتحقيقها ارتفاعاً مع بداية العام الحالي مقارنة مع العام السابق، ومع أن نشاط إعادة الشراء لدى المصارف قد انخفض مقارنة مع العام السابق إلا أن الاتجاه العام شهد ارتفاعاً تصاعدياً منذ منتصف العام 2018 مع تراجع في نمو ائتمانات القطاع الخاص بنسبة 3 % فقط على أساس سنوي في شهر فبراير. وأشار التقرير إلى أن الاقتصاد السعودي غير النفطي سجل نمواً نسبته 1.5 % العام 2018م بناءً على إجمالي الناتج المحلي حسب القطاع، ما يمثل ارتفاعاً متواضعاً عن النمو المحقق في العام 2017 والمقدرة نسبته ب 1.2 %، إلا أن الاقتصاد الكلي استعاد جزءاً من عافيته بتسجيله معدل نمو كبير بلغ 2.2 % خلال العام 2018 مقارنة مع -0,7 % في العام السابق بفضل انتعاش إنتاج النفط. وفي نظرته حيال القطاعات الاقتصادية السعودية اعتبر التقرير أن العام الماضي اتسم بزيادة ترشيد الاستهلاك الحكومي لغرض دعم قطاعات معينة على تجاوز العديد من التحديات التي واجهتها وتحديداً فيما يخص خروج أكثر من 1.5 مليون مغترب، وارتفاع تكاليف الوقود، وتأثير ضريبة القيمة المُضافة، والتي ظهر تأثيرها بشكل واضح خلال العامين الماضيين على قطاع تجارة الجملة والتجزئة. ومع ما شهده هذه القطاع من عقبات خلال النصف الأول من العام الماضي، إلا أن الصرف الثابت لدفعات حساب المواطن وبدل غلاء المعيشة الذي يُصرف لموظفي القطاع العام وأتبعه قطاع عريض من شركات القطاع الخاص قد أسهم في تعزيز قطاع تجارة التجزئة خلال النصف الثاني من العام الماضي. ويستدل التقرير في قراءته تلك على عمليات نقاط البيع التي تُستخدم كمؤشر لقياس مبيعات التجزئة، حيث نمت نمواً قوياً من حيث القيمة والحجم بشكل خاص، فيما يعكس تجاوز معيار الحجم لمعيار وما يتبعه من تراجع مستمر في الإنفاق لكل معاملة وعياً متنامياً بالأسعار لدى المستهلك السعودي والخصومات الكبيرة التي يقدّمها تجار التجزئة. ويرجّح التقرير أن يظل اشتداد «الحساسية» تجاه الأسعار سمة من سمات قطاع التجزئة، لكن تمديد بدل غلاء المعيشة لعام 2019 يُتوقع له أن يزيد من الدخول القابلة للصرف هذا العام وأن يشهد قطاع التجارة نمواً معقولاً على مدى الأشهر الإثنى عشر المقبلة، فيما من المتوقع أن يتعزز الإنفاق على سلع التجزئة على المدى المتوسط بفضل تنامي امتلاك المنازل والذي يظهره الزيادة الكبيرة المحققة في حجم الإقراض العقاري للمصارف. وفيما يخص قطاع التصنيع، يُظهر التقرير توقعاته السلبية حيال القطاع للعام الحالي مقارنة مع العام الماضي 2018م الذي شهد النصف الأول منه أداءً قوياً مدعوماً بقوة الطلب على البتروكيميائيات في السوق الرئيسة للمملكة، إلا أن تلك الصورة آخذة بالتغير بحسب التقرير خلال هذا العام في ظل التراكم المستمر للصعوبات التي تواجه هذا القطاع وتراجع الطلب المستمر كما يظهره مؤشر البلطيق للبضائع الجافة (الدال على أحجام التجارة العالمية) والذي انخفض بنحو 60 % مقارنة مع الذروة التي سجلها في العام الماضي. أما فيما يتعلق بقطاع التشييد والبناء، أعرب التقرير عن اعتقاده أنه على الرغم من استمرار التحديات أمام هذا القطاع، إلا أن السيناريو الأسوأ بالنسبة له قد انتهى بعد السنوات العصيبة التي مر بها نتيجة العوامل الضاغطة التي مر بها كتأخر الذمم المدينة، وضعف الإنفاق الرأسمالي الحكومي، وارتفاع تكاليف الوقود، وخروج المغتربين، حيث يجد التقرير أنه وعلى نحو مماثل لقطاع التجزئة فإن هناك تعزيزاً لهذا القطاع مقارنة مع الأعوام الماضية ويدعمه على نحو رئيس زيادة الإنفاق الرأسمالي الحكومي بنسبة 20 % وفقاً لميزانية هذا العام وما تبعها من خطط معلنه مؤخراً لعدد من المشروعات في مدينة الرياض بقيمة 86 مليار ريال، فضلاً عن خطط الإنفاق الخاصة بالشركات المملوكة للدولة مثل: أرامكو وسابك وصندوق الاستثمارات العامة. وفي قراءته للأسواق العالمية يشير سامبا في تقريره إلى بوادر التباطؤ الحاد في النمو العالمي والتي تكتسب تزايداً، لا سيما في ظل ما أظهرته مجموعة من مؤشرات مديري المشتريات من قراءات حول ضعف التصنيع لكل من الولاياتالمتحدة الأميركية ومنطقة اليورو واليابان، فيما لا تزال الصين محاطة بتأثيرات الضائقة النقدية التي شهدتها العام الماضي والتي وإن بدت بالتعافي منها إلا أن تأثيرها الإيجابي لن يظهر قبل بضعة أشهر. ويذهب التقرير إلى حالة القلق التي حلّت بالأسواق المالية جرّاء التغير في توجهات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي حيال أسعار الفائدة التي عاد إلى خفضها بعد أن رفعها بنسبة 1 % العام الماضي ما يشي بتخوفات بمرور البنك بحالة من الركود على الرغم من الارتفاع الحاد الذي شهدته أسواق الأسهم منذ بداية العام إلا أن ثمة قدر من الانعكاس في اتجاه أسعار الأسهم في الآونة الأخيرة. وفيما يتعلق بأسعار النفط، يتمسّك سامبا بتوقعاته السابقة بأن يسجل متوسط سعر نفط برنت ارتفاعاً محدوداً هذا العام وأن يصل متوسط السعر إلى 65 دولارا أميركيا للبرميل، وصولاً إلى 67 دولارا أميركيا للبرميل في العام 2020، إذا ما استمرت منظمة (أوبك) وروسيا في تخفيض الإنتاج لبقية العام لتحقيق التوازن داخل السوق، رغم ما يبديه التقرير من مخاوف حيال المخاطر المرجحة بتراجع أسعار النفط نظراً لهشاشة الطلب وأمام تهيؤ النفط الصخري الأميركي لطفرة أخرى في الإنتاج.