في المدرسة نتعلم، وفي الجامعة نتعلم، وفي الروضة أيضا تعلمنا، حروفا على صفحات الأوراق، حفرناها في أذهاننا، واستحققنا عليها شهادة تختم من كل مرحلة نمر بها في حياتنا الدراسية، فرحنا واستبشرنا كل البشائر الجميلة بحصولنا على أوراق تثبت اجتيازنا تلك المرحلة، وطاولنا بأحلامنا قمم السحب الرائعة، ولكن تبقى هنالك وثيقة موقعة ببصمة الحياة. نعم خرجتني جامعة الحياة من خلف أسوارها طالبة تجيد لغة الصبر وحوار العقل وبصيرة القلب، علمتني أن هنالك عثرات طريق نهايتها شمس تشرق، وأن قسوة الحياة ما هي إلا لغة عابرة، علمتني أن البشر مجموعة ألوان، منها ما يسرك بصفائه، ومنها من يحزنك بغدره، وقالت لي بهمس خافت: إن كل عقل له بصمة محال أن تشابه غيرها من البصمات، وعلمتني أن أغلق مسامعي عندما تزف أحاديث الكذب والنفاق بأحلى صورة لإغرائي، وأيضا أن أنسج لي من خيوط الصمت ثوبا ذا هيبة ووقار عندما يثور مدفع الغضب، علمتني أن أكون ذات إحساس عندما لا يكون هنالك إحساس في بعض القلوب، وأمرتني بأن أتقلد الصدق في حياتي ولا أنزعه، فمن دونه يغيب الضمير الواعي الحي، علمتني وعلمتني ومنحتني وما زالت تمنحني شهادة لم يمنحها لي أولئك الذين تعلمت عليهم، منحتني شهادة الثقة والتقدير لذاتي، وشهادة الفخر بكل يوم جديد أعانق فيه النجاح، ومع كل تلك الشهادات كانت تلك الجامعة كريمة، منحتني ما لم يمنحوني إياه، فقد قدمت لي دورة مجانية في الحياة في كل تجربة أخوضها في الحياة مع كل من حولي وكل من يكون في حياتي، فخورة أنا لأنني تعلمت فيها وما زلت أتعلم وتعلمني لتأخذ بيدي إلى حيث مرفأ الأمان. هكذا علمتني ولكن ما لم يعلموني هم، صوتي وحرفي في سطوري، ولغتي مهداة لكم أنتم؛ لأنني أثق بأنكم تعلمتم أيضا من جامعة الحياة ما لم يعلموكم هم.