ليس مهما أن نتعلم متى وكيف نتحدث .. ولكن الأهم أن نتعلم جميعا متى نصمت .. فكثرة الحديث خواء ودليل عجز وقديما قيل "لطبل الأجوف يحدث دوياً هائلاً" وشر البلايا جليس صفيق يجبرك على سماعه. ومن بداية مراحلنا الدراسية علمونا ألا نمتدح شخصا بما ليس فيه وأن كان هناك مديح يجب أن ينبع من القلب، والعقل معا على بصيرة مدركة حقائق الاشياء دون مواربة أو تشويه أو نفاق بغية الوصول إلى المبتغى الذي يستحق المدح. تعلمنا ، وما أكثر ما تعلمناه .. تعلمنا أن الإعجاب بالنفس والغرور أسرع الطرق وأقصرها إلى الفشل والخسران المبين.. فالنفس المختالة أداة تدمير لصاحبها ومعول هدم تذهب به إلى فعل الشر وتكون ريحا تنثر هباء كل النعم التي حباه بها الخالق الباري .. إنها الظلام لبصيرة صاحبها تزين له الأضرار بالآخرين تقف عاجزة عن عمل الخير.. وقد قيل قديما " أن من أشد عيوب الإنسان أن تختفي عيوبه عنه" وبذا محاسن غيره ، فلا يقلع عن عيبه لأنه لا يعرفه .. فمتى نعلم أن بصلاحنا يصلح لنا الناس.. وتحضرني الآن ذكرى .. رحلة وأنا في معية الصبا أنهل وأقراني من الكتاتيب .. يوم تعلمنا أن نكره الثالوث البغيض : الكبر والحسد والغضب.. ومهماكان معلمنا " أو الشيخ" يمسك بعصاه يداعبها بين أنامله ، وقد اعتلى صندوقاً خشبياً لتتسنى لنا جميعاً رؤيته وحدج فينا قائلا: أي أبنائي أن الكبر يهلك ، ويدمر صاحبه مانعاً له من الطاعة والانقياد لأوامر ومنهيات الدين ، والحسد يحفر لصاحبه قبراً ويصم أذنيه من سماع نصح وإرشاد ، والغضب مهلكة وتدمير وإضفاء ذل، ومنع خير متداول بين الآخرين .. فحذار حذار أبنائي أن تنساقوا إليها وإياكم والانزلاق في وحل مدح الآخرين دون أن تدركوا حقائق فعلهم .. ولكن مدوا لهم يد المساعدة في عمل الخير، والصلاح، وكفى بالمرء أن يخشى الله تبارك وتعالى.. فعلينا أولاً أن ننظر إلى سيئاتنا وعثراتنا قبل الخوض في سيئات وعثرات الآخرين .. ورحم الله إمراً عرف قدر نفسه.. ص.ب 52986 جدة: 21573