حدثت هذه القصة الحقيقية في عام 1936، وتحديداً في دورة الألعاب الأولمبية في العاصمة الألمانية برلين. ففي مسابقة القفز بالزانة، فاز المتسابق الأميركي «إيرل ميدوز» بالميدالية الذهبية محققاً قفزة رائعة -في ذلك الوقت طبعاً- طولها 4.35 متر، بينما استمر المتسابقان اليابانيان «سوي أوي» و»شوهي نيشيدا» في منافسة شديدة فيما بينهما تجاوزت الخمس ساعات، مما اضطر الحكام إلى إنهاء المسابقة، تاركين الأمر لمنتخب اليابان لألعاب القوى لكي يُقرر من هو الذي يستحق أن يحصل على الميدالية الفضية من بين الاثنين. وبما أن كلا المتسابقين حققا قفزة طولها 4.25 متر، فقد تقرر منح الميدالية الفضية لنيشيدا لأنه حقق هذه القفزة في محاولته الأولى، بينما أوي لم يُحققها إلا في قفزته الثانية. تقبل البطلان هذا القرار المناسب بكل رضا، خاصة أوي الذي هنأ زميله بميداليته الفضية المستحقة وبدى فرحاً بميداليته البرونزية. ولكن القصة لم تنته بعد، فما أن عاد البطلان إلى اليابان، وبمبادرة رائعة من نيشيدا تقبّلها أوي بكل تقدير، ذهب الاثنان إلى أحد المتاجر المتخصصة بصياغة المجوهرات، وطلبا أن يتم قطع الميداليتين إلى نصفين، وأن يُلصق النصف الفضي بالنصف البرونزي، فأصبح كل منهما يمتلك ميدالية نصف فضية ونصف برونزية، والتي اشتهرت باسم «ميدالية الصداقة». نعم، نحن نحتاج كثيراً لهذه الميدالية الفضية البرونزية لنُعلّقها على صدورنا/ قلوبنا التي تنبض بالأنانية والكراهية. ميدالية لا نسعى للحصول عليها بالقفز على كل القيم والمعاني والأخلاقيات، ولكن لتكون «شراكة» تنصهر فيها كل الأحلام والآمال والطموحات. كثيرة هي الدروس والعبر التي قد نتعلمها من هذه القصة الحقيقية الرائعة التي تستحق أن تُروى على مسامع الزمن، خاصة للأجيال الصغيرة والشابة التي تميل عادة لتكوين صداقات وعلاقات، ولكن دون فهم أو وعي. الصداقة، هي أعظم ما يملكه الإنسان في هذه الحياة، خاصة حينما تكون حقيقية وبعيدة عن لغة المصالح والمنافع. فالصديق المخلص، وهو عملة نادرة، أشبه بسور متين يحمي صاحبه من غدر الزمان وظلم الإنسان، بل هو شلال ثقة في فيافي السراب. والصداقة الحقيقية، شجرة وارفة الظلال وغنية بالثمر، ولكنها تحتاج دائماً للماء والشمس والتربة الصالحة، وكذلك الصداقات/العلاقات الإنسانية التي تحتاج لكل عناصر ومقومات وأدوات النجاح والاستمرار. الصداقة الحقيقية المبنية على العطاء والإخلاص والنصح، هي أحد أهم أسرار السعادة التي نبحث عنها. والصديق الوفي، هو من يُشاركك أفراحك وأحزانك، انتصاراتك وهزائمك، نجاحاتك وإخفاقاتك. والصديق الوفي، هو من لا يتردد لحظة واحدة، لأن يتقاسم معك ميدالية الصداقة، فأنت بالنسبة له، القفزة الناجحة التي تمنحه السعادة.