التفكير فيما هو منجز وفيما هو مأمول هو الخطوة الأولى في طريق التغيير؛ لإدراك الأخطاء، والسعي في معالجتها وتحسينها لتطوير الذات، وهذا الوعي والإدراك في التفكير في حاجة إلى منطلقات ينطلق منها ومن خلالها؛ ليقلص المسافة بين الواقع والمستقبل، ليجعلك تتعرف على ذاتك أكثر، وتعرف أين أنت وإلى أين وصلت، هناك سؤال يتردد داخل البعض: على ماذا يعتمد تقييمي لذاتي؟ هل هو من خلال رأي الآخرين فيَّ؟ أم من خلال نظرتي لنفسي وتصوري عنها؟ الحقيقة أن كلاهما متلازمان، ولكن تصور الشخص لذاته ورأيه فيها لا بد أن يكون في المقام الأول ومن ثم ما يراه الناس تجاهه. في عام 1969، ظهرت نظرية جديرة بالاهتمام أطلق عليها (جو هاري)، وهي نافذة تتكون من أربعة مربعات أو أربع مناطق تستطيع الذات البشرية إدراكها والوعي بها، لينطلق الفرد من خلالها لتقييم نفسه، ويكون قادرا على تطويرها؛ حيث تسمى المنطقة الأولى المنطقة الحرة أو المفتوحة أو المكشوفة، وفيها الأشياء التي أعرفها عن نفسي وكذلك يعرفها الناس عني، فأنا أعرف نفسي كريما شجاعا هادئا، والآخرون يعرفون ذلك أيضا، أما المنطقة الثانية فهي المنطقة المخفية، وهي التي تتضمن أشياء أعرفها عن نفسي، ولكنها خافية عن الآخرين، فلربما أنك تتظاهر أمامهم بالسماحة والحب والتعايش وأنت تغلي من الداخل بالكره والحسد والغل، وقد تكون إيجابية عندما يسيء بك الآخرون الظن، وعندما يعاشرونك يظهر لهم عكس ذلك، والمنطقة الثالثة هي المنطقة العمياء، التي من خلالها توجد أشياء يعرفها الناس عني ولا أعرفها عن نفسي، فالمتكبر أو ثقيل الدم لا يرى نفسه كذلك، بل يعتقد أنه خفيف الظل ومتواضع، وهو في الحقيقة عكس ذلك في أعين الناس، وأخيرا هناك ما يسمى المنطقة المجهولة أو غير المعروفة، وفيها أشياء لا يعرفها الناس عني، وكذلك أنا لا أعرفها عن نفسي، وتحتوي على المهارات والمعلومات والمواهب وحتى المشاعر والدوافع، وهي ليست ظاهرة، ولكنها مترسخة في اللاوعي، ولا تظهر إلا وقت الضرورة والحاجة، أو عن طريق التجربة كالقيادة والإدارة على مستوى الأسرة أو العمل أو مع الأصدقاء وغيرهم. بناء على ما سبق فالمنطقة المفتوحة كلما كبرت واتسعت وزادت علاقاتك وتواصلك مع الآخرين، فستزيد فرص معرفة الخصوصيات والأسرار، والعكس من ذلك في المنطقة المخفية، التي تحتوي على معلومات وأسرار وسلوكيات وأخطاء لا نشارك الآخرين بها لأسباب متعددة، سواء كانت أخلاقية أو عرفية أو دينية وغيرها، أما المنطقة العمياء فنستطيع من خلالها التعرف على مدى قدرتنا وقابليتنا لتقبل النقد، هل سنتعامل معه بكبرياء وفوقية، أم سنتقبله على أنه رأي بناء وإيجابي؛ لأن الآخرين غالبا يرون سلوكك أو حتى حركات الجسد التي تغيب عنك، ولا يمنع أن تسأل الآخرين وتستنصحهم عن إيجابياتك وسلبياتك، خصوصا من تجالسهم كثيرا، أو من سافرت معهم، أو اللجوء أحيانا إلى بعض المواقع الموثوقة المختصة باختبارات تحليل الشخصية.