هناك من يقول: إن الكتب لا تغيّر شيئاً، وهؤلاء في العادة لا يقرؤون أصلاً، وربما يجهلون أن ثمة عشرات الكتب التي غيّرت حياة الأفراد والمجتمعات ومسار التاريخ، لم نولِ هذا الموضوع اهتماماً لو كان جل من يستهين بدور الكتب في الحياة هم الناس البسطاء؛ ولكن ثمة بعض الكتّاب الذين أصيبوا بخيبة أمل بعد الكوارث التي شهدتها البشرية في العصر الحديث مثل الشاعر الإنجليزي (أودن) الذي قال: "إن الكتب لا تلعب أي دور في الحياة، بدليل أن كل كتاباتي عن هتلر لم تنقذ حياة إنسان واحد"، ولكنه لم يأخذ في اعتباره أن فكرة "العرق النقي" ظهرت عند هتلر تحت تأثير أعمال (فريدريك نيتشة). إن تصور الإنسان للحياة وتشكيل شخصيته يعتمدان على عوامل كثيرة ومن ضمنها الكتب التي قرأها، وكلمات المؤلفين الكبار يمكن أن تغير وجهة نظر الشخص حتى إلى الأشياء البسيطة والمألوفة، والكتاب مصدر لا ينضب للمعرفة وللانطباعات الجديدة غير المتوقعة، وتعمق إدراكنا وفهمنا للعالم الذي نعيش فيه وتصقل ذائقتنا الجمالية، وترسخ القيم الأخلاقية في ذواتنا، إن التطلع إلى التغيير نحو الأفضل هو الذي يدفعنا لقراءة الكتب، وإذا لم نكن نؤمن بالتغيير لما كنا خسرنا الوقت والجهد والمال في اقتناء الكتب وقراءتها أو كتابتها. الكتب ساهمت وشكّلت وعي الإنسانية حتى عندما لم تكن ثمة أشكال أخرى لحفظ حكمة الأجيال، وثمة كتب علمية واقتصادية وسياسية وفلسفية أسهمت على نحو فاعل وحاسم في التقدم الحضاري للبشرية منها على سبيل المثال كتاب "الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية " لإسحاق نيوتن الذي وضع الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية ولمعظم مبادئ الميكانيكا الكلاسيكية، وبفضله غزا الإنسان الفضاء ووصل إلى القمر، وصنع الصواريخ التي تطلق الأقمار الصناعية إلى الفضاء، وتؤمّن اليوم الاتصالات بين البشر. كتاب "ميثاق الحرية العظيم" أصبح أساساً لوضع الدستور الإنجليزي ودساتير عدد من الدول مثل الولاياتالمتحدة الأميركية والهند. كتاب "براءة اختراع آلة الغزل" لريتشارد آركرايت كان حاسماً في الثورة الصناعية الأولى. كتاب "بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم" لآدم سميث الاقتصادي الإسكتلندي الذي يعتبر أحد معالم تطور الفكر الاقتصادي، حيث نادى بالرأسمالية ورفض تدخل الحكومة في الاقتصاد. كتاب "دفاع عن حقوق النساء: القيود السياسية والأخلاقية" ماري ولستونكرافت يعتبر من أوائل الأطروحات في الفلسفة النسوية، ردت على المنظرين والمفكرين السياسيين والاجتماعيين في القرن الثامن عشر والذين لم يكونوا يؤمنون بحق المرأة في التعليم. إذا كنت تقرأ فقط الكتب التي يقرؤها الجميع فحتماً ستفكر فقط كما يفكّرون، وقراءة الكتب الجيدة كمحادثة أفضل الرّجال وأذكاهم، ووحدها هي التي تُعطي الإنسان أكثر من حياة واحدة. يقول جان بول سارتر: "يبدو لي أن كل ما أعرفه عن حياتي تعلمته من الكتب".