لم يكن إقرار لائحة الذوق العام مفاجئاً، كون الذوق العام مبدأ من مبادئ الإسلام ومن أخلاق الدين، وبُعث رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ليُتمم مكارم الأخلاق الفاضلة، وحينما نُبِّئ صدّقه قومه لما كان يتمتع به من أخلاق فاضلة. كان خلقه القرآن، أي متماشيًا ومحاكيًا ومقتديًا بأخلاق القرآن ومبادئه وسلوكياته، لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحشًا ولا متفحشًا ولا بذيئًا، كان يحب مكارم الأخلاق، نزل القرآن معلمًا لتلك الأخلاق الفاضلة. لائحة الذوق العام أكدت المُؤكَّد وفرضت المفروض وحثّت على ما ينبغي، ولسان حالها يقول: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، حثّت على عدم الإساءة للناس وخدشِ مشاعرهم بملابس غير محتشمة تحملُ صورًا أو عبارات تخدش الحياء، وهذا من صُلب ديننا، حيثُ أمر بالاحتشام وبالوقار والبعد عن الابتذال، منعت اللائحة رفعُ الصوت والتلفظ بألفاظٍ مُسيئة في الأماكن العامة، وهذا هو خُلُق الإسلام وخُلق المسلم. وأمرت بالكلمِ الطيّب (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرةٍ طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها)، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبهُ الفأل وهو الكلمة الطيبة، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن البذاءة لؤم، والبذاءة دليلُ خبث الطويّة ودليلٌ على قلة الحياء)، وقال أيضًا: (ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش البذيء)، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التسول لأنه يورث الذل والهوان في الدنيا والآخرة، وهو عملٌ تمجّه الأذواق السليمة ويورث التسول انحطاطا في المجتمع، وينزع البركة من المال. ولقد حثّت اللائحة على الالتزام بالنظام، ذلك أنّ النظام يُحفظ به أمر الجماعة ويقيها من الاختلاف والتفرق. أمرت اللائحة باحترام الكبير وإجلاسه مجلسه في المقاعد المخصصة له، فليس منا من لا يحترم كبيرنا ويعطفُ على صغيرنا. وحثّت على عدم قطع وإحراق الأشجار في الأماكن الخلوية لما لها من ظلٍ يستظلُ به عابرُ السبيل وذو الحاجة والمتنزه، ولما لقطع الأشجار من إساءة وأي إساءة، وتعدٍ على الآخرين وعدم احترام أماكنهم، وقد أمرنا ديننا بعدم قطع تلك الأشجار لما لقطعها من آثارٍ تعودُ بالضررِ على المجتمع كله، فهي ملك للمجتمع، ملك للأمة، وليس لفردٍ من أفرادها. وأمرت اللائحة بحسن الخُلق، إذ إن سوء الخُلق يبعد العبد عن الله، ويصبح مكروهًا ومنبوذًا. وأكدت اللائحة عن الابتعاد عن السخرية بالآخرين والهمز واللمز، ذلك لما للسخرية من مضار، فهي مخالفة صريحة لأمر الله، تفكك عُرى المجتمع وتسقط المروءة وانتهاكٌ صريحٌ لحقوق الإنسان عامةً ومخلةٌ لمبدأ تكريمُ الإنسان على وجه الخصوص، فالسخرية تميت القلب وتورثه الغفلة، فديننا حثّ على مكارم الأخلاق واحترام الذوق العام، فلنرفع الشعار "يحيا الذوق العام".