حذر أكاديميان شرعيان من تفشي ظاهرة السب والشتم والتنابز بالألقاب لأبسط وأتفه الأسباب أثناء الاحتكاك بين الأفراد في الأماكن العامة والشوارع والطرقات ومواقف السيارات، وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي. وأكدا أن ضعف الإيمان وسوء التربية والجهل بآفات اللسان السبب وراء تفشي هذه الظاهرة، وطالبا بحملات توعية يقوم بها الشرعيون والأئمة والخطباء والمربون والإعلام للتوعية من هذه الظاهرة، وحددا طرقا علاجها. غياب الدور الرقابي يقول د. ناصر بن عبدالله التركي الأستاذ المشارك بقسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بالرياض: المجتمع إذا بعد عن هدي الله عز وجل ترتب على ذلك فساد العلاقات بين أفراده ويسود بينهم كثير من المظاهر السلبية ومنها تداول بعض الكلمات النابية واللعن والشتم والسباب فيما بينهم، كما إن تداول الكلمات النابية يحدث بين أفراد المجتمع البغضاء والكراهية إذ أن من يتداولها يُلحق الأذى بالآخرين ويجعله منبوذا يخاف الناس أذاه فيكرهون مخالطته. و يفند التركي أهم الأسباب التي تؤدي إلى بروز هذه الظاهرة ومن أهمها: أولا: إهمال الوالدين للأولاد، إن تخلي الأبوين عن إصلاح الولد وضعف الاهتمام به والانشغال عن توجيهه وتربيته هذا بلا شك يؤدي إلى فساد أخلاقه وبالتالي يجري على لسانه كثير من الكلمات النابية والشتم والسباب ليس على الآخرين فقط بل ربما يتعدى ذلك إلى أبويه والعياذ بالله. وللأسف عندما كثرت مشاغل الحياة انصرف الآباء عن أولادهم فصاروا لا يعطونهم من الوقت والرعاية إلا الشيء القليل وهم لا يدركون ان الأولاد بحاجة ماسة إلى الرعاية الروحية والتوجيه التربوي، كما إن غياب الدور الرقابي والتوجيهي بلا شك يؤدي إلى انحراف سلوك الأولاد، وتربية الأخلاق للأسف نجدها مهملة في الغالب عند كثير من الأسر فهم لا يأبهون بالقيام بأنواع من التصرفات السيئة والكلام البذيء أمام أعين أطفالهم وما دروا في الحقيقة أنهم بقيامهم بتلك التصرفات يجنون على هؤلاء الأطفال بتلويث أخلاقهم. ثانياً: قرناء السوء وهم يتسلطون على الآخرين لاسيما الشباب فهم يغرونهم ويهيجونهم على ارتكاب المعاصي تهيجا شديداً فلقرناء السوء تأثير كبير على سلوك الفرد خصوصا في مرحلة الشباب حيث يمر الشاب بفترة المراهقة التي تتأجج خلالها العواطف وحب الانتماء، إذ الصداقات التي تكون في سن المراهقة تظهر بأقوى العلاقات وأكثرها اندماجا وتمازجاً، كما إن قرناء السوء يُعلمون الولد أنماطاً من السلوك والممارسات الخاطئة من السب والشتم واللعن... إلخ فمشاهدته وسماعه لما يقوله قرناء السوء وتكرار ذلك يهون الأمر عنده ويجعله يمارسه ومع مرور الزمن لا يجد حرجا عندما يجري على لسانه الكلمات النابية. ثالثاً: قلة الحياء أو زواله.. إن قلة الحياء يجعل الفرد لا يتوانى في ارتكاب الفساد وكلما توغل في فيه بعد عن الحياء وربما زال، بعد ذلك لا يكترث بنظر الله له، ولا بما يقوله الناس عنه، بل لا يبالي هو بأخبار الناس عن سوء فعله أو قبيح قوله وقد بين لنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستح فافعل ما شئت) أي من لم يستح صنع ما شاء بمعنى أنه إذا لم يستح الإنسان من العيب ولم يخش العار مما يقوله ويفعله فانه بلا شك سيقول وسيفعل كل ما تحدثه به نفسه من القبائح. والإنسان إذا زال حيائه لا يستقيم لسانه إذ اللسان يعتبر أصل الفساد لأنه إذا أعوج وانحرف أعوجت جميع الأعضاء وفسدت، وهذا ما أكده الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (إذ أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تستكفي اللسان فتقول: اتقي الله فينا فإنما نحن بك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا). علاج المشكلة ويطرح د. ناصر التركي العلاج على ما ذكره في الأسباب لأهميته: أولاً : التربية السليمة للأولاد: الوالدان يلزمهما مراقبة سلوك وتصرفات أولادهم وتوجيهها إلى الصواب عند كل خطأ يقعون فيه حتى ولو كان هذا الخطأ صغيراً، لأنه إذا ترك يسير على هذا الخطأ دون توجيه يكبر وقد صار الخطأ له سمة له وبذلك يصعب عليه التخلص منه. إذاً يجب على الأسرة رعاية طفلها وتربيته وتعليمه المبادئ الإسلامية السمحة وتهذيبه ما دام صغيرا، وأن يغرس في نفسه الإيمان بالله بكل الطرق الملائمة، وهذا يجعله يراقب الله عز وجل في كل كلمة يتلفظ بها. ثانياً : البعد عن قرنا السوء: للصحبة أثر عميق في توجيه النفس والعقل، ولها نتائج مهمة فيما يصيب المجتمع من تقدم أو تأخر، ومن صلاح أو فساد، وقد عني الإسلام بهذه الصلات التي تربط الإنسان بالآخرين يؤثرون فيه ويتأثرون به، وقد تبين لنا خطر قرنا السوء على الأخلاق ومن ذلك أنهم مصدر تداول الكلمات النابية وانتشارها بين أفراد المجتمع لاسيما الشباب لذا لا بد من البعد عن قرنا السوء وذلك من خلال الإكثار من الصلة بالله عز وجل سواء عن طريق الصلاة أو الذكر أو غير ذلك ففيها شغلا له يجد فيها حلاوة المناجاة والأنس بكتاب الله عز وجل وبذا يستوحش من مصاحبة قرناء السوء. ومما يساعد في البعد عنهم التبصر في آفاتهم وعواقب أعمالهم فتذكر ذلك دائماً كفيل بالابتعاد عنهم ومقاطعتهم كذلك الأعراض عنهم وعدم السلام عليهم وعدم ملاطفتهم كل ذلك يسهم في عدم تعلق قرناء السوء به. إن مصاحبة الأخيار تعتبر من المبادئ الأساسية في إصلاح النفس وتوازنها وتقواها، ومن المؤكد تجربة ووقعا إن الإنسان حين يصاحب أهل الخير والتقوى يكتسب منهم الخير والاستقامة والصلاح، لذا من مسؤولية الوالدين أن يساعدا أولادهما على اختيار الصحبة الصالحة فالولد إذا اختلط بصحبه تسودها الفضيلة ولا تعرف الرذيلة فإنها تؤثر على شخصيته وترنوا به إلى الكمال فلا ينطق إلا بالفضيلة، لأنه لن يجد في ذلك الوسط إلا مدحا للفضيلة وذم للرذيلة وبذلك تتأصل في نفسه الفضائل ويجانب الرذائل ولذلك أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على أهمية صحبة الأخيار بقوله: (لا تصاحب إلا مؤمنا) وحذر من مصاحبة الأشرار وتعوذ منها عندما قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء ومن ليلة السوء ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء...) وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حال من يصاحب الأخيار ومن يصاحب الأشرار وما يؤول اليه حالهما بقوله: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك أما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة). ثالثا - ملازمة الحياء: وهذا الحياء يكتسبه المسلم من دينه فيمنعه من فعل ما يذم شرعا أي أن هذه الصفة تتكون عند الإنسان نتيجة معرفته بالله وإيمانه بصفاته العظيمة التي منها علمه المحيط وأنه رقيب على عباده لاتخفى عليه خافية حيث يقول - عز وجل -: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}. إن ديننا الإسلامي الحنيف حث على التحلي بخلق الحياء لأنه يدل على طهارة النفس وحياة الضمير ويقظة الوازع الديني لذا جعل الإسلام الحياء وثيق الارتباط بالإيمان حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدنها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)، والإسلام اعتبر الحياء من الإيمان لأن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي فصار كالإيمان الذي يحول بين الإنسان وهذه المعاصي، والرسول صلى الله عليه وسلم عندما حث أمته على الحياء كان يرمي إلى أن يكون المجتمع كله طاهراً نقياً، والحياء لا يكون في أمر إلا جمله وزينه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:).. ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه) فملازمة الحياء عامل مهم في البعد عن الفساد والانحراف. القدوات السيئة ويوضح د. أحمد بن علي الخليفي عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة والإعلام بالرياض إن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تداول بعض الكلمات النابية والألفاظ السيئة والمقولات المشينة ضعف الوازع الديني وقلة الالتزام بتعاليم الإسلام حيث إن غياب التوجيه القرآن والسنة النبوية أو نسيانه في الذهن يؤدي إلى عمل السلوك المشين والألفاظ السيئة، إضافة إلى عدم معرفة خطورتها وأثرها السيء دينيا وتواصليا بين الأصحاب يؤدي إلى التلفظ بها. ومن الأسباب أيضا وجود القدوات السيئة في ذلك حيث إن بيئة الشخص لها الأثر الإيجابي أو السلبي على شخصيته، مضيفاً أنه يمكن معالجة تداول بعض الكلمات النابية التي يتناولها بعض الناس من خلال التذكير بخطورتها، وسوء تداولها، والنتائج السيئة لمن يتحلى بها حيث إن الناس لا يتحملون من يؤذيهم بسوء قوله أو بذاءة ألفاظه.. ويمكن المعالجة أيضا بنشر ثقافة النصح والتناصح بين أفراد المجتمع، والإنكار على من يتعامل بها. وأما الدور المناط بالوالدين، والمؤسسات التربوية في المجتمع في هذا الشأن فيمكن القول إن الأسرة لها دور كبير في تربية الأبناء، وتحليهم بجميل الصفات، وطيب الألفاظ، كما لا ننس أن المؤسسات التربوية لها الدور الريادي في تربية الأجيال، وتوعيتهم وتوجيههم وهي تقف في صف الأسرة جنبا إلى جنب ويكمل بعضهم بعضا في إخراج جيل من الشباب يتمثل تعاليم الإسلام وتوجيهاته.