في صباح يوم السبت الموافق 1/شعبان/1440ه، توفي فضيلة الشيخ محمد ابن المشايخ عبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمهم الله- وتناقلت الأنباء ذلك الخبر الحزين فساد على الجميع جوّ من الحزن والأسف لما لفضيلة الشيخ محمد -رحمه الله- من جميل الخصال وحسن الخلق ورجاحة العقل وسعة العلم، وقد كان -رحمه الله- واسع الاطلاع والإدراك قوي الذاكرة ملماً بالتاريخ والوقائع والأحداث ومعاصراً لكثير منها منذ نشأته في بيت العلم والدين والعقيدة بيت آل الشيخ محمد بن عبدالوهاب إمام الدعوة ومجددها -رحمه الله- فكان فضيلة الشيخ محمد عفيفاً ديّناً مخلصاً لدينه محباً لوطنه وولاة أمره يلهج دائماً بحمد الله وشكره والثناء عليه بما أنعم الله به على بلادنا الغالية من النعم ورغد العيش والرخاء والأمان في ظل حكومتنا الرشيدة وقيادتنا الحكيمة ويدعو الله لهم دائما بالتوفيق والسداد والدوام ويضرب الأمثلة على ذلك بما كانت عليه البلاد من الحاجة وقلة الأرزاق ومكابدة المشاق حتى يسّر الله لها الملك المؤسس الإمام العادل عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- الذي أعاد جمع شملها وأمّنها ويسّر أرزاقها ورفع مقامها بين الأمم وكثيرا ما كان فضيلته -رحمه الله- يقارن بين الماضي والحاضر ويقول أفلا يتفكرون، أفلا ينظرون تأسيا بآيات القرآن الكريم، وكان -رحمه الله- معاصرًا لكثير من الأحداث منذ شبابه محباً للعمل والعلم والعلماء وقد ذكر لي عندما زرته صباح يوم عيد الفطر العام 1435ه أنه في أحد أعوام الستينات من القرن الماضي قد اجتمع بوالدي الشيخ سعد بن محمد المبارك -رحمهما الله- عندما كان والدي قاضيا لوادي الدواسر آنذاك بتكليف من الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وأن الشيخ محمد -رحمه الله- كان شابا يعمل في جباية الزكاة فسافر لتلك المناطق على ظهور الإبل وقد عانوا كثيراً من عناء السفر وموارد المياه مرورا بالخرج وحوطة بني تميم ثم بلد ليلى بالأفلاج ثم منهل حِمام ثم السليل ثم الخماسين قاعدة وادي الدواسر ومقر القاضي هنالك واجتمع بوالدي وأمير الوادي ابن جبرين آنذاك وأثنى عليهما وحسّن عملهما في تلك المناطق البعيدة -رحمهم الله- جميعا ووالدي كان قاضياً هناك من العام 1363ه إلى العام 1369ه. وللشيخ محمد بن عبدالرحمن -رحمه الله- غيرة دينية وحمية وطنية وحب للناس وللمجتمع وللوطن وولاة أمره مع سعة اطلاع على أحوال البلدان والأمم وأخبارها وتاريخها ولا غرو في ذلك فهو ابن مدرسة الشيخ المجدد وآبائه وأجداده علماء ومشايخ مشهورين -رحمهم الله- وكذلك عمله وخدمته لبلاده في بعض البلدان كالكويت وإيران والعراق ملحقا ثقافياً مسدداً موفقاً فكون بحسن إدارته وجميل أخلاقه كثيرا من الأصدقاء والمعارف والأدباء والعلماء، وكان لمجلسه العامر في بيته قرب شارع التخصصي بالرياض بعد صلاة كل جمعة وكذلك أيام العيدين مجتمع طيب يجتمع فيه الأقارب والأصدقاء والمشايخ ووجهاء المجتمع ويزوره ولاة الأمر والأمراء على المحبة والأنس والذكر الحسن الذي يشع من كلام فضيلته أثناء تجاذب الأحاديث الممتعة والمفيدة والأحداث التاريخية ناشراً المحبة والألفة وصلة الرحم والمودة بين الناس. فجزى الله الشيخ محمداً أبا عبداللطيف خير الجزاء ورحمه وغفر له وأحسن الله عزاء أبنائه الكرام وأسرته الكريمة وجميع أسرة آل الشيخ الكرام وأقاربه ومحبيه وجعل الجنة مثواه.