اتصل بي صديقي من مدينة بعيدة، وطلب مني أن أقرضه مبلغا من المال، فوافقت قبل أن أسأله عن السبب، لكنه لم يتأخر في الرد حينما قال لي إنه يريد أن يسجل «شيلة» للشباب، فقلت له ممازحاً: «إنني أعرفك منذ زمن بعيد وصوتك من أقبح الأصوات»، فضحك وقال إن الأجهزة الصوتية التي سيستخدمها في أحد الاستديوهات ستجعل صوته أجمل من صوت سيلنديون «مغنية كندية»، المهم أخبرته أنني أدعمه، وإذا كان كذلك، فأنا مستعد أن أقرضك أكثر من ذلك، لكنه قال لي إن مبلغ 450 ريالاً هو كل ما يحتاج إليه لهذا المشروع الثقافي، والحقيقة إنني فوجئت بأن الأمر بهذه السهولة، وجميع الشيلات التي يسمعها الصغير والكبير والرجل والمرأة، ونسمعها في السيارة والمدرسة والبيت، هي بهذه السهولة، وهل يكون الفن فناً إذا كان سهلاً؟ قبل أيام قليلة وجه معالي وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ، بمنع إقامة أي فقرات أو برامج طلابية في المدارس ليس لها هدف تربوي، خاصة التي تحوي على «الشيلات»، هذا القرار ارتبط في ذهني بقصة صديقي صاحب الصوت القبيح. «الشيلة» هي أن يتغنى صاحبها بالشعر من الموروث الشعبي، لكنها تختلف عن الغناء، وفي الأعوام الأخيرة تطورت بشكل صاخب مع الطبول وبعض الأصوات الغريبة لإضافة الحماسة لها، وهو ما لم يكن معروفاً من قبل في هذا الفن. وانتعش إنتاج الشيلات من خلال دعم ملاك الإبل ومشايخ القبائل بغرض المديح والخلود، وليتها بقيت كذلك لكنها توسعت. الفن إبداع حر مرتبط بالجمال، فلو كان الفن منزوع الجمال لما صار فناً، وهو أيضاً لغة يستخدمها الإنسان لترجمة مشاعره وأحاسيسه، كما أن بعض الفلاسفة والعلماء يعتبرون الفن ضرورة حياتية للإنسان كالماء والطعام. وتعتبر الفنون نشاطاً فكرياً وإبداعياً يسجل وعي الإنسان بالجمال، وكما تقوم الفنون بتهذيب الطباع وصقل الشخصية .. فهي أيضاً تقوم بالعمل على نضوج عقلية الفرد وتوسيع مداركه، ولها القدرة على تشكيل سلوكيات اجتماعية وفكرية، وتدعو الإنسان إلى التأمل والتفكير. صديقي صاحب الصوت القبيح سجل شيلته، وأرسلها بفرح للقاصي والداني، وأوصاني بالاستماع لها كل صباح ومساء، وفعل الشيء ذاته مع أهله وأصدقائه ومعارفه، ولم يسلم منه حتى العمالة في الشوارع.