نتكلم عن "الواقع" وكأنه كيان "سوبر"، منفصل عنا، يتحكم في حياتنا سلباً أو إيجاباً. وكثيراً ما نجد أنفسنا في جدلية حوارية غريبة معه، تكون نتيجتها إما الكلام وإما الصمت، ولكل من المسارين ثمن يُدفع. فإن كنت ممن يتعاطون الكلمة الواضحة الهادفة/الناقدة، ستكتشف أنك تُحيِّر "الواقع".. فيشيح بوجهه عنك، وقد يرفضك. لأنه لا يعرف كيف يتعامل مع هكذا كلمة، أو لأنه لم يتعود إلا على الكلمة المنافقة، الانتفاعية.. أو تلك التي "تعرف من أين تؤكل الكتف" كما يقال، أو ربما لأنه (الواقع) لم يتعلم كيف يتعامل مع الوضوح والصدق في الكلمة، ولم ينضج إدراكه بأنها تصب في مصلحته. وأنت صاحب هذه الكلمة الهادفة تدرك أنها تُرهق "الواقع" بما هو غير مؤهل له، وتدرك أنك ترمي إلى ذلك علّه يتحرك ويصلح من شأنه. وأحياناً تأتي الكلمة مباشرة حادة كالسيف، مما قد يجرح "الواقع"، ويمزق عنه أرديته التي يحتمي بها، ويتركه هكذا عارياً إلا من حقيقته. ومن المنطق والمتوقع، في حالة الواقع غير المؤهل وغير مكتمل الإدراك، أن يأخذ موقفاً عدائياً من الكلمة.. هذا إن لم يُسقط اسم صاحبها من قائمة الأحياء! ويُسقط في يدك. ولكن.. لماذا الدهشة أو الاستغراب؟ نعم.. إنك لا تريد غير منازلة عادلة مع "الواقع". ولكن لا تنسَ أنك تتعامل معه مسبقاً على كونك فرداً وهو "مجموعاً"، وأنك ضعيف وهو قوي.. أقوى منك ومن كل أحلامك وقدراتك! تتعامل معه وكأنه قوة خارقة خارجة عنك، لا تدرك أن من فهمك أنت، أو من القناعة الذاتية المستضعِفة لوجودك وكينونتك كفرد، يستمد هو قوته وسطوته حتى في تخلفه، ونصبح أمامه كائنات هزيلة عاجزة.. تخلفه يخدمنا، فنساعد على استمراره، لنبرر انهزامنا المتواصل أمامه. والسؤال هو.. من يجعل "الواقع".. هذا الكيان السوبر على ما هو عليه!؟ أهناك غيرك أنتَ وأنتِ وأنا وكلّ الآخرين؟ أليس "الواقع" هو حصيلة تراكمية لتفاعلاتنا المتداخلة والمعقدة مع أنفسنا، والآخرين، ومع الحياة؟ والتي تصب حصيلتها في هذا الكيان الغامض الذي نسميه "الواقع".