كل إنسان يمر في هذه الحياة بمراحل عمرية مختلفة، تبدأ من مرحلة الطفولة التي تحمل البراءة، وتُقضى في اللهو والاستكشاف، ثم تأتي مرحلة المراهقة، تليها مرحلة الشباب التي تمتد من سن الحادية والعشرين إلى سن الأربعين، ويكون الإنسان قد بلغ فيها أشده، وهي من أجمل فترات العمر على الإطلاق، وتبدأ بعد ذلك مرحلة الكهولة، وهي من سن الأربعين إلى سن الستين، لتحل محلها مرحلة الشيخوخة المبكرة، وهي من سن الستين إلى السبعين، تليها مرحلة الشيخوخة، وأخيراً يمر الإنسان بآخر المراحل، وهي أرذل العمر، وتبدأ من سن الثمانين إلى أن يتوفاه الموت، فمن أصعب مراحل العمر أن تكون مسناً، وما أصعب الشعور باقتراب الرحيل، فالمرض والفقد والوحدة، وسط عزف ونزف الأيام من حولك، ومن دون أن تدرك يوماً ما أنك ستصل إلى هذه الدرجة التي قد تجعلك تتعامل مع الحياة معاملة مودع قد آن له الرحيل. هذا الشعور كان يغشى شريحة كبيرة من جيل الأمس، الذي كانت تزحف إليه الشيخوخة في وقت مبكر؛ بسبب ما كان يقاسيه في حياته من شقاء ومرارة للحصول على لقمة العيش، فقد قضى حياته منذ الطفولة وهو يكد ويشقى منذ طلوع الفجر إلى غروب الشمس، حيث يبقى قليلاً ليلتقط أنفاسه، ثم يأوي إلى فراشه بعد أن يتناول طعام العشاء على بساطته، لينال قسطاً من الراحة، ليقوم مع طلوع الفجر ويبدأ رحلة العمل الشاق في تأمين لقمة العيش فيما يجده من عمل يتطلب جهداً بدنياً شاقاً، سواءً في حراثة الأرض وزراعتها وسقيا المزروعات باستخراج الماء من البئر بطرق بدائية، أو بالعمل في البناء باللبن والطين، أو في النجارة والحدادة، وغيرها من المهن التي لا يعرف صاحبها طريقاً للراحة، ونتيجة لذلك فقد كان الرجل إذا بلغ الخمسين من عمره، بدأت تتضح على محياه ملامح الكبر، وصارت الشيخوخة تزحف إليه بلا هوادة، فالبعض يبدأ ظهره بالتقوس من كثرة العمل منحنياً في مزرعته، وما إن يبلغ الستين إلاّ وقد وخطه المشيب من كثرة الهم والتفكير في كيفية تحصيل قوت يومه، فتراه في هذا العمر كثير شرود الذهن، وتبدأ حواسه في الضعف، فتقل حركته ويقل نشاطه، وربما صار دائم المكوث في البيت، وأغلب وقته يغلبه النعاس إذا كان جالساً، بينما يفارق النوم عينيه إذا أوى إلى الفراش، وتمر الأيام عجلى فيقل نشاطه وتخف حركته ويذبل جسمه، ويكون حبيس المنزل لا يستطيع مغادرته إلاّ للضرورة، أمّا من كان يتخطى السبعين والثمانين فإنه قد يلجئه الضعف والوهن إلى ملازمة الفراش وتعاوده الأمراض ويلازمه السعال والأنين حتى تتخطفه يد المنون، وقد صور الشاعر المعاصر حمد الحجي -رحمه الله– الذي أطلق عليه لقب شاعر المعاناة والآلام جراء ما أصيب به من مرض عضال وهو في مقتبل العمر في سن العشرين، صيّره كثير التفكير الذي أدى به إلى شرود الذهن، فقال مصوراً حالته ببيت من قصيدة في هذا المعنى فقال: إني غلام ولكن حالتي عجبٌ أُرى كأنيَ في السبعين مولود أمان وظيفي في عصرنا الحاضر وبعد أن تبدلت الأحوال بعد توحيد المملكة على يد المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز –طيب الله ثراه–، وافتتحت الوزارات التي انخرط فيها كثيرون في العمل، وانتشر التعليم وزاد دخل الفرد، ودّع الناس حياة الشقاء، وبدأت تدب الرفاهية مع مراحل التطوير التي زادت معها الوظائف خاصةً الحكومية، التي حددت فيها ساعات العمل اليومية، وباتت هناك إجازات أسبوعية وسنوية مدفوعة الراتب، عرف معها الموظفون الأمان الوظيفي، وزادت أوقات الراحة والرفاهية، بل انتشرت المستشفيات التي أسهمت في القضاء على الأمراض، ومكنت كثيرا من أصحاب المرض المزمن من التكيف مع أمراضهم بجرعات الدواء التي توافرت بالمجان، ونتيجة لذلك فقد صحت الجسام، وبات الجميع يهتم بصحته ونظافته الشخصية، ويعتني بمأكله ومشربه بعد أن زادت ثقافة الجميع بالتعلم، وزيادة الاطلاع بما يشاهدونه في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمشاهدة التي انتشرت بكثرة، وبذلك فقد صارت الشيخوخة تعني العمر المتأخر فعلاً فيما بعد الثمانين، فأصبح المرء يتقاعد بعد سن الستين وهو في كامل عافيته وقوته، ويتكيّف مع البيئة المحبطة به، ويمارس هواياته المفضلة من السفر والترحال ومزاولة الرياضة البسيطة، خاصةً رياضة المشي، وبات يهتم بصحته وهندامه. رغد العيش وأفضل مراحل العمر على الإطلاق هي مرحلة الشباب، التي تعني القوة والحيوية والنضارة، والتي غالباً ما تصاحبها المراهقة، ثم تأتي بعدها مرحلة الرشد، التي تمتد إلى عمر الستين عاماً، وما إن يتخطى المرء هذه المرحلة إلاّ ويبدأ في الضعف، ما يجعله شديد التحسر على سرعة انقضاء مرحلة الشباب، ليردد بيت أبي العتاهية الذي ذاع صيته رغم مرور ألف عام على قوله وهو: فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْماً فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ وهو من قصيدة جميلة، ولكن الناس يستشهدون بهذا البيت الذي سبقته أبياتاً أخرى جميلة يقول فيها: بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيني فَيا أسَفاً أسِفْتُ على شَبابٍ فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحيبُ نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ ثم يختم أبو العتاهية أبياته بالبيت السابق الذكر الذي ذاع صيته كما أسلفنا وهو قوله: فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْماً فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ فمرحلة الشباب تعد بلا أدنى شك هي من أجمل مراحل الحياة، وازداد جمالها في عصرنا الحاضر بما يعيشه الناس من رغد عيش لم يعرفه من سبق من الأجيال، ونتيجة لتلك الرفاهية زادت مرحلة الشباب في هذا العصر وتخطتها بما ينعم به من يعيش اليوم في ظل هذه الرفاهية، التي توفر فيها العناية بالصحة والجمال أيضاً، حيث انتشرت محال العناية بالبشرة كصوالين الحلاقة التي تحيل الكهل شاباً، وذلك بالعناية بالبشرة، وصبغ الشعر الأبيض بالسواد المماثل للطبيعة، لترى المرء وقد تخطى الستين وأنت تظنه شاباً في الثلاثين. مصاعب ومتاعب وعاش جيل الأمس وما قبله في الستينيات والسبعينيات الهجرية حياة مليئة بالمصاعب والمتاعب، وذلك بسبب الكدح المستمر لتأمين لقمة العيش لهم ولمن يعولون، واضطرت الظروف أغلبهم إلى مغادرة بلدانهم إلى أخرى قريبة، أو دول مجاورة للبحث عن عمل يكتسبون منه المال، وانخرطوا في عديد من المهن وأتقنوها للحاجة الماسة لذلك، حتى إنهم امتهنوا الغوص في أعماق البحار في الخليج العربي بحثاً عن اللؤلؤ، واشتهر كثير من أهل نجد بصيد اللؤلؤ، وتفوقوا على السكان المحليين في مهنة الغوص والحصول على أكبر اللآلئ، التي تسمى «الدانة»، واغتنى كثير منهم وعاد إلى بلده وصار من أكابر التجار فيها، وقد تسببت المعاناة والكد المستمر والجري وراء لقمة العيش إلى ظهور الشيخوخة المبكرة على أغلب الرجال، فما إن يبلغ الرجل الخمسين عاماً إلاّ وقد أنهكه التعب، وبدت عليه علامات الكبر، فترى التجاعيد تعلو وجهه، وغبار السنين يعلوه، وربما بدأ في استخدام العصا في مسيره، وعندما يبلغ الستين فإن قواه تبدأ تخور بسبب ما واجهه في شبابه وكهولته من عمل مضن وشاق، وبسبب أيضاً حمل هم تأمين حياة كريمة له ولمن يعول، فهو يفكر على الدوام في العمل لكسب قوت يومه، ويسعى جاهداً في تربية أبنائه، ويحرص كل الحرص على أن يستمر عطاء أرضه إن كان مزارعاً مثلاً، فيفرح بنزول الأمطار كي تريحه من سقيا المزروعات عدة أيام، ويزيد من وفرة الماء في البئر، كما يكون مستعداً لمواجهة الآفات كالجراد الذي يأكل في طريقه الأخضر واليابس، أو هطول أمطار مصحوبة بزخات من البرد تكون سبباً في هلاك الزرع، خصوصاً الحب في سنبله، إضافةً إلى تقلبات الزمان وكثرة تعرض الإنسان للأوبئة والأمراض المزمنة التي تحد من قوته وشدته لمواجهة متطلبات العمل البدني الشاق، ما يجعله في هم دائم لضمان جمع أكبر قدر من المال يعينه على نوائب الدهر في كبره وشيخوخته، وعند بداية ظهور آثار الشيخوخة عليه، يتجنب الجلوس مع من يصغرونه في السن، ويجالس من هم في مثل عمره، وينطوي على نفسه خصوصاً إذا لم يجد من يماثله في العمر ليجالسه لفقدهم، فتتكالب عليه الأمراض، ويلازم الوحدة، ويظل حبيس البيت في انتظار الأجل المحتوم. حياة جديدة وعلى الرغم من تخطي البعض سن الشباب، بل الكهولة أيضاً، وظهور بوادر الشيخوخة عليه، إلاّ أنه يتحلى بروح الشباب وإن تخطى السبعين والثمانين عاماً، فترى البشر دائماً يعلو وجهه، واهتمامه بهندامه يجذب إليه الأنظار، كما أنه يعيش يومه من دون التفكير الطويل في الغد، وبأخذ أسباب الحياة الجميلة، فتراه يزاول الرياضة بانتظام، ويهتم بصحته جيداً، فيجري الفحوص الطبية الشاملة في كل عام، ويجتنب كل ما هو ضار، بل يجالس الجميع سواءً كان صغيراً أو كبيراً، ويناقش من حوله في مستجدات العصر، ويستخدم التقنية الحديثة ويتعامل معها بكل احترافية، وهذا هو حال كثيرين من أفراد جيل اليوم الذين بفضل هذه المزايا أبعدوا عن أنفسهم شبح الشيخوخة المبكرة، ويجيء هذا العمل الجميل تصديقاً لتصنيف منظمة الصحة الجديد لمراحل عمر الإنسان، فقد أعلنت أن الأشخاص إلى عمر (55) يعتبرون في سن الشباب، حيث قسمت حياة الناس كالتالي: (0- 17) دون السن القانونية، (18- 25) مراهقة، (25- 65) شباب، (66- 79) متوسطو العمر، (80- 90) كبار سن، فقد أصبح البشر يعيشون أطول من ذي قبل في جميع أنحاء العالم، وبذلك فإن شبح الشيخوخة الذي كان يطارد كل حلم جميل قد تأخر ظهوره في جيل اليوم، بل حتى لدى المتقاعدين عن العمل بسبب بلوغ السن القانونية وهي الستين عاماً، وصارت الحياة بعد الستين تعني حياة جديدة ملؤها البشر والتفاؤل بحياة مديدة في صحة وسلامة. تشيخ الأعمار بحياة تسودها المصاعب كبار السن في الماضي يجتمعون وحدهم ولا يخالطون الآخرين جيل الأمس عانى كثيراً في حياته الاستمتاع بجمال الطبيعة أخّر ظهور الشيخوخة لدى جيل اليوم كبار السن اليوم يعتنون بإجراء الفحوص الطبية الشاملة مراحل العمر متعددة ومن أجملها مرحلة الشباب