انسجاماً مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030 أعلنت المملكة قبل أيام حزمة من الأوامر الملكية والتغيرات الوزارية التي تهدف إلى استمرار مسيرة التنمية والتطوير التي دأبت عليها بلادنا ولله الحمد والمنة منذ توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ومن بعده أبناؤه، وصولاً إلى وقتنا الحاضر في ظل قيادة خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-. متطلبات المرحلة وقال د. تركي القبلان -رئيس مركز ديمومة للدراسات الاستراتيجية والبحوث-: إن المملكة تدخل العام الجديد بحزمة من التحديثات وفق متطلبات المرحلة في بُعدها الإداري والكفاءات المتخصصة، ومن بينها تعيين الوزير د. إبراهيم العساف على وزارة الخارجية، وهذا يعطينا ملمحين الأول اقتصادي بشخصية الوزير العساف والآخر سياسي حسب طبيعة المنصب المسند إليه، وهذا في تصوري يعطينا دلالة أن المملكة في الأعوام القادمة سترتكز سياستها الخارجية على بُعد اقتصادي، أي أن الاقتصاد هو من سيقود السياسة، مضيفاً أن المملكة بذلك مؤهلة أن تبني علاقاتها الدبلوماسية على هذه الركيزة، فهي ضمن دول العشرين، وتمتلك أكبر صندوق سيادي في العالم وثاني دولة أقل ديناً من بين دول العشرين، وكذلك تمتلك ثالث أكبر احتياطي للنقد الأجنبي في العالم، مبيناً أنه إذا ما أخذنا تعيين عادل الجبير كوزير دولة للشؤون الخارجية يعمل بصفة تكاملية مع وزير الخارجية الذي ندرك معه أن خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- يعي تماماً المتغيرات الجيوسياسية المتسارعة التي تحيط بالمملكة وأهمية التحديث المستمر بما يكفل التحصين للسياسة السعودية للعمل بمنهجية دبلوماسية من شأنها مواجهة هذه التحديات بما يحقق المكانة المرموقة للمملكة في المشهد السياسي الدولي كدولة محورية في الشرق الأوسط والعمل على الملفات المتعددة ذات الطبيعة السياسية الصِرفة. عقد شراكات وأوضح د. القبلان أن العالم يمر بتحولات، والمنطقة تشهد صراع قوى دولية وقد طرأ على المشهد الإقليمي متغيرات أدت إلى ضرب الأمن القومي العربي في الصميم، لولا حنكة وقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الرشيدة، حيث اضطلعت المملكة بدور رئيس ينسجم ومكانتها الدولية في القيام بقرارات وصناعة تحالفات وقيادتها لقطع الطريق أمام المتربصين بأمن المنطقة العربية، مبيناً أن ذلك حتّم على المملكة أن توزع المهام الوزارية في السياسة الخارجية لتتكامل الجهود في التغيير الإيجابي لدى البيئة الدولية بما يكفل للمواطن العربي وللدول العربية الاستقرار وإشاعة التنمية، وبالذات أن المملكة تدخل مرحلة الرؤية السعودية 2030 وفق ثلاث ركائز الأولى الموقع الجيوستراتيجي للمملكة بين قارات العالم، وكذلك امتلاك شركة أرامكو العملاقة لتقوم بدور في البنية الصناعية، وأخيراً امتلاك أكبر صندوق سيادي في العالم، وهنا نأخذ في الحسبان أن الرؤية لا تقتصر على المملكة، بل تمتد الى فضاء عربي وإسلامي لعقد الشراكات وبناء الاستثمارات العابرة للحدود، مشيراً إلى أنه بإذن الله نحن موعودون بدور سعودي دولي وإقليمي بنّاء سيسهم حتماً في إعادة المنطقة بأكملها إلى الأمان المنشود اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. ثوابت راسخة وتحدث منيف عماش الحربي -محلل وكاتب سياسي- قائلاً: إن السياسة الخارجية السعودية تتميز منذ توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بثوابتها الراسخة وقدرتها على التعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وقدرتها على الحفاظ على موقع المملكة كقوة خيرة إقليمية تمتلك علاقات استراتيجية وشاملة مع الأطراف الدولية المؤثرة في المشهد العالمي، مضيفاً أن استمرارية قيام المملكة بدورها المحوري في العالمين العربي والإسلامي وعلى الصعيد الدولي في ظل عالم متغير يشهد صعوداً لقوى عالمية مؤثرة مثل موسكو وبكين ونيودلهي والقوة العالمية التقليدية مثل الولاياتالمتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وفرنسا ويحتاج إلى إعادة هيكلة وزارة الخارجية على غرار ما حدث في وزارة الدفاع والداخلية والاستخبارات، لذلك جاءت الأوامر الملكية في التغيرات في الدبلوماسية السعودية لتحقيق هدفين في ذات الوقت استمراية العمل السياسي والدبلوماسي على الصعيد الخليجي والعربي والإسلامي والدولي، وهو ما عهد به للأستاذ عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية وعضو مجلس الوزراء، وأيضاً إعادة هيكلة وزارة الخارجية بشكل شامل بهدف تهيئة جيل قادم مؤهل وذي كفاءة عالية محققاً لرؤية المملكة 2030 ومكانة المملكة الخليجية والعربية والإسلامية والدولية، وعهد بذلك للدكتور إبراهيم العساف وزير الخارجية، مبيناً أنه بلاشك العديد من الدول العربية والإسلامية تعول دائماً على الدور السعودي في الحفاظ على الأمن القومي العربي وعلى زيادة التعاون الإسلامي باعتبار المملكة قائدة العالم الإسلامي وأول دولة وطنية عربية في العصر الحديث، مشيراً إلى أن دول العالم تثمن الدور المحوري والفاعل للمملكة في مكافحة الإرهاب والتطرف والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وأيضاً معظم دول العالم تشيد بدور الرياض في ضمان أمن الطاقة وسعيها الحثيث لإيجاد توازن في أسواق النفط للحفاظ على مصالح المنتجين والمستهلكين. وشدّد على أهمية تعيين الدكتور مساعد العيبان كمستشار للأمن الوطني وهو قطاع مهم داخلياً وخارجياً ويساهم أيضاً في إعطاء زخم أكبر للدبلوماسية السعودية في المرحلة القادمة، مُختتماً حديثه بأن التغيرات في الدبلوماسية السعودية تأتي ضمن تطور شامل وتحول مهم يحدث في المملكة ضمن مشروع سعودي متكامل يتكئ على رؤية 2030.