هناك من يدعي أن السياسة الخارجية للمملكة ستتغير، مع عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله-، وأن هذه السياسة ستتنكر للماضي، وكأن هناك انقلابا في العلاقات السعودية الدولية، وهذا ليس حال المملكة على الدوام، فتغير الملوك والأمراء والوزراء شأن سعودي داخلي، وإن سياسة المملكة الخارجية تبنى على مجموعة من الثوابت الوطنية والعربية والإسلامية والدولية، وهي السياسة الواضحة باستمرار، نهجها الرئيس التعاون، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وتفعيل السياسة الخارجية وجعلها أكثر تأثيرا وواقعية، هو منهج سعودي، دأبت عليه الدولة منذ التأسيس، وهي نتاج لتراكمات من الخبرات والمواقف والعلاقات السياسية، التي قد تطور وتفعل، لكنها سياسة ستظل مؤمنة بأن عمقها العربي والخليجي هو مركز الانطلاق الرئيس، ولهذا فإن من يحاولون التأثير في التوجهات السياسية السعودية، لا يدركون أننا أمام ملك، مارس العلاقات الدولية من أوسع أبوابها، ومارس الدبلوماسية، وبناء العلاقات والوشائج في إطار المدرسة السعودية وضوابطها. والمملكة في حراكها السياسي الخارجي تستند إلى إرث طويل وكبير من الممارسات الناضجة، والمواقف الثابتة إزاء العالمين العربي والإسلامي، ومن يظن غير ذلك، فهذا شأنه، ولعل الملك سلمان قد أكد بداية عهده الميمون أن السياسة السعودية قائمة على الاستقرار والاستمرار، كما أن المملكة لم تتنكر لعلاقاتها قط، وكانت دائما وأبدا فوق الخلافات وفوق الشبهات. إن تطوير السياسات السعودية الخارجية على الخصوص، في ظل بيئة متلاطمة، وواقع سياسي عربي متحرك، وفي ظل الفوضى الإقليمية، الفوضى في العراق وسوريا واليمن وليبيا، فإن المملكة ستبقى دائما داعما لأمن واستقرار العالم العربي، ومساهما رئيسا في حماية الأمن والاستقرار الخليجي، وأنها ستسعى دائما لإقليم آمن مستقر بعيدا عن الصراعات والانفعالات وقصور الرؤية السياسية، وتجنيب المنطقة ما تستطيع من عوامل الانحدار، والحروب الأهلية. لكن المملكة وانطلاقا من سياسة واقعية واضحة، فهي تؤكد أن السياسة الداخلية للدول هي الأساس في الأمن والاستقرار، وأن الحفاظ على الأمن القومي والإقليمي يتطلب المحافظة على الأمن والاستقرار والتنمية الداخلية في هذه الدول، وأن المملكة ليس الفاعل الرئيس في المنطقة، فهناك أدوات فاعلة ومؤثرة أيضا يجب أن تؤخذ بالاعتبار. إن المملكة ظلت وستبقى محور رئيس في التوازن الإقليمي، والاستقرار الدولي، وإن رؤيتها للأحداث، ستكون من منظور مصالحها الوطنية، وثوابتها العربية، ولعل مجلس السياسات والأمن، الذي يرأسه ولي ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، سيكون له الدور الأبرز في تحديد معالم السياسة الخارجية، في مناطق الصراع والنزاع الإقليمية، والموقف منها؛ كونها ذات مساس رئيس بالأمن والاستقرار في المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي، ولعل موقف دول المجلس من الانقلاب الحوثي على الشرعية الدستورية في اليمن، يوضح أن الموقف السعودي والخليجي والدولي واضح من التغيير في اليمن، باعتباره نسفا للعملية السياسية، وتجاوزا لمخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة، والمبادرة الخليجية على الخصوص. إن المملكة تبني سياساتها الخارجية ليس على المواقف الشخصية، ولا تقيم لذلك وزنا واعتبارا، فهي تقيمها التزاما بعمقها الإستراتيجي العربي والإسلامي، ووفقا لقواعد ثابتة وراسخة، جرى امتحانها في لحظات عديدة، وفي فترات مختلفة أيضا، ونهج المملكة في سياساتها الدولية والإقليمية والداخلية موقف واحد؛ لأن المملكة تستند إلى إرث من الاستقرار والاستمرار، ما يجعل من سياساتها الدولية، الأكثر وضوحا وفهما ونضجا. إن ارتباط السياسة الخارجية بالأمن بمختلف أبعاده، هو جوهر السياسة الخارجية لكل الدول، فالدول تبني علاقاتها على قواعد القانون الدولي، والإرث والتاريخ المشترك، وعلى مجموعة المصالح والمنافع المتعددة والمختلفة، وإن التطابق الكامل في وجهات النظر غير موجود، فهو عملية نسبية، وهامش الاختلاف في وجهات النظر محدود ومحترم أيضا، لكن المملكة وكما قال مسؤول دولي، دولة تحترم تعهداتها والتزاماتها، وهي دولة صاحبة موقف وكلمة دائما.