مع الاعتماد الكبير والمتزايد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في زمننا الراهن، تواصل التهديدات نموها وتطورها على صعيد الفضاء الإلكتروني. ونظراً إلى السرعة العالية لعمليات نشر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واتساع مشهد التهديدات، تبرز الأهمية القصوى أكثر من أي وقت مضى لتعزيز مستوى التعاون والتشاركية من أجل حماية الفضاء الإلكتروني. وقد خطى مجلس الشورى قبل أيام قليلة خطوة رائدة، بعد إقراره توصية مهمة ومواكبة لمتطلبات العصر الالكتروني وتوغل الفضاء السيبراني وتحدياته، إذ تطالب التوصية هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بإلزام شركات استضافة المحتوى المرخص لها بأن تنشئ مراكز بيانات داخل المملكة وتأمين الحماية اللازمة وعدم حفظ البيانات في الخارج، وهذا إلى جانب فوائده الأمنية الفوائد الأمنية العالية الضمانات التي يوفرها وحفاظه على خصوصية الأفراد، يقدم فوائد أخرى لا تقل أهمية أبرزها نقل الخبرة في هذا المجال وزيادة التوظيف. قرار الشورى بإلزام مستضيفي المحتوى بمراكز داخل المملكة.. خطوة رائدة وتلعب الثقة دوراً هاماً وضرورياً في مجال الأمن الالكتروني، وتشكل الأساس الحقيقي لإرساء قواعد أي تعاون بين الجهات الساعية إلى حماية الأفراد، والمؤسسات، والشركات من التهديدات الالكترونية. وهذا يستدعي كذلك إيماناً راسخاً من جميع الأطراف أيضاً بأن الثقة لا تمنح، بل لا بد من اكتسابها مراراً وتكراراً عبر الالتزام المستمر بالشفافية والوضوح. إلا أن كل هذا يحتاج إلى خطوات عملية تجيب على التساؤل الأهم في عالم تحقيق الأمن السيبراني وحماية المعلومات والاتصالات في هذا الزمن المخيف، وهو: من يضمن لنا الحماية من تلك البرامج والتطبيقات التي تزعم أنها توفر لنا الحماية؟ وفي سياق حديثه عن حاجة مثل هذه الشراكات والتعاون في قطاع حماية أمن المعلومات والأمن السيبراني وأهميتها، يقول يوجين كاسبر: «لا أحد يستفيد من تجزئة وتفتيت شبكة الإنترنت إلا مجرمو وقراصنة الإنترنت، لأن كسر أسس وروابط التعاون بين الدول لا يساعد إلا مساعي وأهداف الأشرار، ونجد في المقابل أن الشراكات ما بين القطاعين العام والخاص لا تجري كما ينبغي لها أن تكون. لقد تم ابتكار شبكة الإنترنت بهدف توحيد الناس، وتبادل المعرفة، لذا فإن موضوع الأمن الالكتروني لا حدود له، لكن محاولات رسم حدود جغرافية للفضاء الإلكتروني هي نتائج عكسية لما يحدث، وينبغي علينا جميعاً إيقافها. كما أنه يتوجب علينا إعادة مد جسور الثقة للعلاقات والروابط التي تجمع ما بين الشركات، والحكومات، والمواطنين». ولم تغفل المملكة أثناء مسيرة التحول والتحديث التي تواصلها في كل المجالات بما في ذلك مجال الأمن السيبراني والبرمجة، هذه الحاجة الملحة لضمان أقصى حد من أمن المعلومات، حتى من الجهات الحكومية والدولية والخاصة المتخصصة في توفير خدمات المعلومات، فحين بدأ الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة مرحلة تطوير البنية التحتية وعقد الشراكات واستقطاب الخبرات، وتعزيز الجهود المتعلقة بالأمن السيبراني والبرمجة والخدمات ذات الصلة والاستشارات والمنتجات والتدريبات التقنية، اختار مختبر كاسبرسكي العالمي للإشراف على هذه المهمة، عبر مذكرة تفاهم وقعها الطرفان، وهو المختبر نفسه الذي كان أعلن في وقت سابق لتوقيع الاتفاق، مبادرة الشفافية العالمية في أمن المعلومات، وهي المبادرة التي تهدف إلى إشراك أكبر شريحة من مجتمع أمن المعلومات، وغيرهم من الأطراف المعنية، في عمليات التحقق من مصداقية المنتجات التي توفر الحماية، وعملياتها الداخلية، وعملياتها التجارية، إلى جانب إدراج وتطبيق آليات المساءلة الإضافية، وتوفير الشيفرة المصدرية الخاصة بتلك البرامج، بما فيها تحديثاتها، وقواعد الكشف عن التهديدات، ليتم مراجعتها وتقييمها من قبل الأطراف الثالثة المستقلة، الأمر الذي يتيح للشركاء المعتمدين الوصول إلى المراجعات التي تجريها الشركة للشيفرات البرمجية وتحديثات البرمجيات وقواعد اكتشاف التهديدات، إلى جانب أنشطة أخرى، إضافة إلى تزويد الجهات الحكومية والخاصة بمعلومات عن منتجاتها وحلولها الأمنية، كالوثائق الفنية الأساسية والمهمة، وذلك لغايات إجراء عمليات التقييم الخارجي في بيئة آمنة. ومع هذه الدرجة العالية من الأمان سينطلق الاتحاد السعودي للأمن السيبراني بخطى واثقة في شركاته الرامية للمشاركة في تنظيم المسابقات والفعاليات والأنشطة العامة ذات الصلة في تلك المجالات، إضافة إلى جذب المواهب المحلية وتدريبها وتوفير المواد التعليمية والمناهج المتعلقة بالأمن السيبراني والبرمجة، وتجهيز معمل تدريبي في بيئة ملائمة لتطوير المواهب المحلية والدعم والتوجيه للمتخصصين المحليين في مجال تكنولوجيا المعلومات والمطورين والمبتكرين. ويعلق الخبير المتخصص في أمن المعلومات وبروتوكولات الشفافية في المجال التقني والسيبراني أوليغ عبدالرشيدوف على هذه المسألة الأخلاقية في حديث ل «الرياض» بقوله: «إن هذا التحول الالكتروني أصبح واقعنا تماماً وتفاصيل حياتنا تقع رهينة له أكثر فأكثر، لذلك تبرز الأسئلة المؤرقة عن الأمن والخصوصية، والحاجة الماسة لشفافية ووضوح أكثر في هذا المجال الذي لم يعد يمس حياتنا فحسب، بل أصبح هو حياتنا بمعنى الكلمة. ومثلما نحمي جميعاً أمننا وخصوصيتنا بالطريقة التقليدية، على المستوى الشخصي وعلى مستوى الدولي، وننشئ من أجل ذلك كيانات ومنظمات، يجب علينا أن نفعل الشيء نفسه مع الأمن الالكتروني، نمتنى أن نرى تعاوناً عالمياً في هذا المجال عبر المؤسسات والمنظمات الدولية والجهات التابعة لمنظمة الأممالمتحدة، وأن يحل التعاون في هذا السبيل بديلاً للتوجس والخلاف». من جانبه يؤكد الدكتور حسين فؤاد سندي الأستاذ المشارك بقسم نظم المعلومات في كلية الحاسبات وتقنية المعلومات بجامعة الملك عبدالعزيز، قناعته التامة بأن المنظومات المتخصصة في هذا المجال بالمملكة لديها من الحرفية والخبرة والكفاء والإمكانات ما يمكنها من مواكبة كل التحديات في مجال التحول الالكتروني، ووفرت كل الموارد اللازمة لتمكين المختصين وتأمين الفضاء الالكتروني وحماية المستخدمين. ومما يعزز هذا الرأي ويؤكده واقعاً، هي الخطوة المميزة والواعية التي اتخذها مجلس الشورى أخيراً. أوليغ عبدالرشيدوف