للمتاحف دور معرفي ثقافي كبير، فهي المعنية بحفظ ثقافة الأجداد، وتواصلها بين الأجيال، سواء بما تعرضه من مقتنيات تحوي كثيرا من معلومات لمنظومة العادات والتقاليد وكيفية ممارساتها، وتثقيف الزوار بكيفية تهيئة المجتمع للمادة واستغلالها لحاجته، وما أضيف إليها عبر مسيرة الحياة من تجديد وتطوير من مكونات جديدة ساعدت على ذلك، دون المساس بالأصل والمضمون، وهذا ما أبرزته المتاحف المشاركة لمهرجان تبوك، فقد وجدنا عدة مقتنيات لغرض واحد، ولها أكثر من تصميم، واتفقت في مضمونها مع تصاميم عصرية، ولها الوظيفة القديمة نفسها بحفظ فناجين القهوة، تزينت بها طاولات منازلنا، فقد وجدنا في متحف منطقة (الوجه) آنية معدنية أسطوانية الشكل، ولها غطاء مربوط بالأسطوانة بسلسلة حتى لا يضيع، وتسمى قديما المعشّر بشد حرف الشين؛ لأنها تحفظ بداخلها عشرة فناجين حتى لا تضيع، واستخدم المجتمع هذه الآنية قبل عشرات السنوات، وكانت من مستلزمات الأسرة الضرورية كحافظة للفناجين في المكان الخاص بالرجال. قدمت متاحف المناطق المشاركة للمهرجان، وهي/ تيماء/ ضبة/ الوجه/ أملج، فكرة واضحة لثقافة البيئة الخاصة بها، فأسهمت في إثراء الزوار إثراءا معرفيا، وتركت لهم المقارنة ليلمسوا التنوع الثقافي ومواطن التشابه والاختلاف في بلادنا الحبيبة التي تعطيها هوية ثقافية وأصالة عربية نادرة المحتوى. رافق المتاحف في المهرجان حرفيون ممن مارسوا المهن القديمة في الصناعات الحرفية، وقدموا مشاهدة حية أثناء ممارستهم لها أمام الزوار، وكانت مصدرا لاقتصاد الأسرة وموردا للقرية أو البلدة قديما، كخياطة شباك الصيد من الخيوط التي قدمها الحرفي أحمد محمد العلاطي من جناح متحف (أملج) وتسمى(الوشع). ويقال لمن يخيطها يوشع، واختلف عنه السيد الحرفي مصطفى المعيطي من جناح الوجه بصناعة الشبكة من خوص النخيل بعد نقعه بالماء؛ حيث تأخذ صناعتها منه يومين إلى ثلاثة أيام، فيما اختلف عنهم جناح (ضبه) بصناعة شبك الصيد من أسلاك حديدية لينة، وتسمى الوجه وضبه (الصخْوَة) رغم اختلاف المكونات، إلا أن لها شكلا واحدا والوظيفة نفسها. الغزْل وصناعة السدو من أهم الصناعات القديمة خصوصا في الأثاث ومستلزمات الأسرة الضرورية في الموروث، التي أبدعت المرأة قديما فيه بتعدد الصناعات منه، لكن ما ميز حضوره هذه المرة هي السيدة نهلة الحويطي، التي استطاعت من بين الحرفيات المشاركات أن توفق بتجديد التراث باستخدام السدو بشكل يتناسب مع الذوق العصري ومواكبة التطور بمهنية عالية ومهارة فذة، دون المساس بالمضمون، حيث قدمت منتجات حملت الهوية الوطنية، وبمكونات تراثية من خيوط الغزل، والعهن، والصوف، والجلود، وهي مكونات كانت تستخدمها المرأة قديما في أعمالها، ووجدناه في مقتنيات قديمة من تراثنا الشعبي التي ضمتها المتاحف، ووظفتها السيدة نهلة بمنتجات تناسبت الذوق العصري دون المساس بالأصل، وبتصاميم لم تخرج عن ثقافتنا التي تميزت باستقلالية، وأعطت فكرة جيدة عن ثقافة الذوق ومواكبة التطور مع الحفاظ على الهوية الوطنية. كما كان للأكلات الشعبية وجود، بوجود أم صالح من جناح (ضبه) وهي تحضر خبز الشراك بالطريقة القديمة، الذي كان يقدم مع أكلة (المنسف) الأكلة الشعبية المعروفة في منطقة تبوك، وأعطت الزوار درسا ثقافيا في كيفية التحضير، والعجن، ومن ثم الخبز، وما يقدم مع هذا الخبز للأسرة كوجبة تراثية أغرت الزوار بالتسابق لشرائه والتمتع بالذوق التراثي في الطعام. من قصيدة للشاعر سليمان الربيض البلوي تحمل معاني رائعة، ونجد فيها بعض العادات والتقاليد مع النصائح المجدية لقارئها: ابدا بذكر اللي له الناس ركّاع واوزن القيفان للي يعرفون قافي سرى ما يفهمه كل سماع ودمعي جرى والقاف ساري على النون من حيرتي داويت الاوجاع با وجاع حافي قدم وامشي على شوك وغصون يا هل ترى لا مجْتْ عن درب الاسناع واطفيت ناري يا ترى وش يقولون دن الهوند وخل نارك لها شعاع والطيب يبقي والمخاليق يفنون لا مجْتْ: أي تركت المكان، ويقال: مُوُج: أي اترك المكان. الحرفي أحمد العلاطي صناعة شباك الصيد فن النسيج