دين الإسلام دين يرغّب في المسارعة والمبادرة إلى فعل الخير، ويذكي روح المنافسة في أعمال المعروف والبر والإحسان، والمبادرة قيمة تربوية جليلة، تنم عن عزيمة ورغبة في العمل، وحب له، وانتماء إليه، ومتى ما تحققت هذه الخصلة الحميدة في المسلم، فإنها ستكون سائقة له نحو معالي الأمور وساميها. ويشمل ذلك جميع القربات من العبادات القلبية كمحبة الله وتعظيمه، والعبادات المالية كالصدقات والأوقاف وكفالة الأيتام، والعبادات البدنية كالصوم والحج والجهاد في سبيل الله. أمر الله تعالى المؤمنين الصالحين بالمسارعة إلى الصالحات، والمسابقة في عمل الخيرات، قال سبحانه: (فاستبقوا الخيرات..)، ووصف عز وجل المؤمنين المتقين بذلك، فقال تعالى: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون (60) أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون). وحثّ النبي على المبادرة والمسارعة في عمل الخير قبل أن تتغير النفوس وتتقلب القلوب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ، قَالَ: بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا وَيُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ أَحَدُهُمْ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا. وتكرر ورود ما يدل على قيمة المسارعة في الخيرات في أحاديث الوقف، ومن ذلك قصة وقف أبي طلحة رضي الله عنه، فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه، يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ رضي الله عنه أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) [آل عمران: 92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) [آل عمران: 92] وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ» فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ» [البخاري (2318)، مسلم (998)]. ففي هذه القصة العظيمة تتجلى مسارعة أبي طلحة رضي الله عنه إلى فعل الخير، ومبادرته إلى الوقف في سبيل الله، وتصدقه بهذا البستان، وهو أحب أمواله إليه، وامتثاله لأمر ربه، ومن الآثار التربوية لقيمة المسارعة في فعل الخير: حياة القلب واستجابته لأمر الله وأمر رسوله، كما هو حال أصحاب محمد، بمشاركتهم في صنوف المعروف والبر والإحسان ومسابقتهم إليها. نبذ الكسل والخمول، وترك الدعة والراحة وتعويد النفس أن تكون متأهبة لطاعة الله تعالى، منقادة لأمر رسوله، مبادرة إلى الطاعات والقربات. التربية على اقتناص الفرص واغتنام الأجور وتحصيل الحسنات، فإن الإنسان لا يدري ما يعرض له من فتن أو تقلبات في الحال. بثّ روح التنافس على الخير بين المسلمين، من خلال القدوة في فعل الخير، فيكون المسلم بذلك أسوة لغيره، فينال مثل أجورهم. أسأل الله تعالى أن يعيننا على فعل الخيرات والمسارعة إليها، وأن يتقبل من الجميع صالح الأعمال.