حث الإسلام على الإحسان إلى الناس ورغب فيه، لتقوية أواصر الإخوة بينهم، فظهر ذلك جلياً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم الذي ربى أصحابه على ذلك بقوله وفعله. أما بفعله فقد كان صلى الله عليه وسلم يبذل المال حتى كان أجود ما يكون، ويعود المريض ويمسح على رأس اليتيم. وأما بقوله فقد رغب في إعانة المسلمين وأن من كان في عون أخيه كان الله في عونه كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة... والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. وقال: صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وقال أيضاً: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له، وغير ذلك من الأحاديث التي تُرَبّي في المسلم الإحساس بوجوب التكافل بين أفراد المجتمع المسلم وتذْكِي فيه روح التنافس في ذلك، طلباً لمرضاة الله. فتسابق الصحابة رضي الله عنهم وتنافسوا في شتى ميادين الخير، ومنها البذل والعطاء، يرجون ما عند الله من الثواب والمغفرة، فلما نزل قوله تعالى: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، وكان أبو طلحة أكثر الأنصار نخلاً وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها، فلما نزلت هذه الآية قال أبو طلحة يا رسول الله إن الله يقول: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، وإن أحب أموالي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فَضَعْها يا رسول الله حيث أراك الله. وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أصاب أرضاً بخيبر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أصبتُ أرضاً بخيبر ولم أُصِبْ مالاً قط هو أنفس عندي منه فقال صلى الله عليه وسلم: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق بها عمر رضي الله عنه في الفقراء وفي ذي القربى، فتسابق الصحابة في وقف كثير من أموالهم في أوجه الخير والبر. إن التكافل في أجلى صوره، والتعاون في أوضح معانيه، يتجلى في الوقف الذي يسهم في سد حاجات الأمة، وحل المشكلات الاجتماعية، وتربية النفوس على الإيثار، وحب الخير للآخرين، وتعزيز أواصر الأخوة الإسلامية. فحريٌّ بنا أن نهتم بالأوقاف، ونحرص على تنميتها وتطويرها، حتى يسود التراحم والتكافل بين أفراد المجتمع، ويحقق العزة والكرامة لأهل الإسلام، في الدنيا والآخرة. وكذلك نهتم بنشر الوعي الديني بين عامة الناس في بيان فضل الوقف وأثره على المجتمع، وبيان ما يجتمع في الوقف من أنواع الأجر، وما يتميز به عن غيره من الصدقات كونه يستمر ولا ينقطع. وقد قامت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بجهود مشكورة من أجل إحياء سنة الوقف ونشر الوعي الديني بين عامة الناس وكان من هذه الجهود إقامة ندوة الوقف مفهومه وأثره في المجتمع في منطقة الجوف. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آل وصحبه وسلم. * القاضي بالمحكمة الجزئية في سكاكا