عرفته منذ الصغر بعد أن دخلت بلاط صاحبة الجلالة وكنت أقرأ مقالاته في الصحف المتعددة التي ينشر فيها ولم تفارقني صورته التي ترسخت في ذهني وقلمه السيال الذي يداعب أوراق الصحف في كل حين.. وللحق إنني لم أقابله وجهاً لوجهاً -رحمه الله- ولكن أسرني حضوره الدائم وتفننه في الكتابة وكأنه خيّال ماهر يطوع فرسه في كل الدروب، تشاهد إبداعاته في كل مكان وأتذكر في صالة انتظار مطار الملك خالد الدولي بالرياض كنت أنتظر السفر إلى رحلة خارجية وشدني (ستاند) صغير وضعت عليه إدارة المطار مشكورة بعض المؤلفات والكتب الجميلة وكان من بينها كتاب في أدب الرحلات لشيخنا الجليل يتحدث بأسلوبه الرشيق المميز عن بعض رحلاته الداخلية التي مضى عليها الزمن وقد استمتعت كثيراً بهذا الكتاب الذي أزال عني لحظات الانتظار المملة. إنه الشيخ عبدالله بن حمد الحقيل الأديب والمؤرخ الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الثلاثاء الماضي ذلك الفارس الذي أثرى الساحة الأدبية والثقافية على مدى ستة عقود حيث كان مدرساً وتربوياً ومسؤولاً ومرشداً للباحثين والمهتمين وعرف عنه شغفه واهتمامه الكبير باللغة العربية وتنميتها في المجتمع المحلي والعربي ليكون من أوائل المعلمين السعوديين الذين التحقوا بالعمل في الجزائر للإسهام في حركة التعريب من خلال عمله أستاذاً للغة العربية وآدابها في كلية المعلمين بوهران لمدة عامين بدءًا من 1385ه، كما انتدب لتدريس اللغة العربية وآدابها في لبنان 1389ه - 1390ه وفي نهاية المطاف وبعد تنقل بين العديد من الجهات الحكومية التي استفادت من خبرته حط الرحال في دارة الملك عبدالعزيز كأمين عام لها وهي الجهة المسؤولة عن توثيق تاريخ المملكة مما يؤكد مقولة الرجل المناسب في المكان المناسب. كإعلامي أعجبني في الشيخ عبدالله الحقيل صبره وجلده على الكتابة فنحن الإعلاميين نعرف أكثر من غيرنا صعوبة هذه المهنة أو الهواية وتزداد صعوبة إذا كانت هواية كما في حالة شيخنا الجليل نظراً لعدم التفرغ لها والانشغال بأمور أخرى ومسؤوليات كبيرة تحتم عليه التوقف والاستراحة ولكن عند أصحاب الهمم العالية لا مجال للتوقف والاسترخاء فهم ينظرون إليها كأمانة يجب أن تؤدى وعلم يجب أن ينشر وهذا ما سعى إليه الحقيل حيث شارك بكتاباته وقلمه في التوعية والنصح والإرشاد وتصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة عن اللغة العربية. الحديث عن هذه القامة الكبيرة سيطول لو أردنا الإسهاب ولكن في نهاية المطاف هذه آجال محتومة وعزاؤنا للوطن بفقد مثل هذه القامات الأدبية والثقافية الكبيرة. Your browser does not support the video tag.