تساءلت وأنا على متن الطائرة وعلى ارتفاع اكثر من 35,000 قدم فوق سطح البحر، كيف ان الإنسان استطاع مجابهة المصاعب والنجاة من الموت وصناعة حياته بفطرته وإرادته، من خلال اختراعاته ونهضته عبر الأزمنة المنصرمة، مكوّناً منها خطوات عملية ناجحة في تحقيق ضرورياته وطلباته اليومية، كيف حدث كل ذلك! كيف استطاع قطع تلك المراحل عابراً ظلام الجهل نحو نور العلم والابتكار وصناعة الافكار! كيف كان سيكون لو لم يكن! كيف تمكّن من مجاراة الخيول على أرضها، ومباراة الطيور في سمائها، وسباق الأسماك في بحرها ومحيطها! كيف استطاع تخطّي نطاق الضرورة لطلب الإحتياج وتوفيره.. فتأتي مضيفة الطائرة وتسأل ضيفها وهما محلّقين عالياً متوجهين بسرعة فائقة نحو بقعة ما على الارض: عفواً سيدي، كيك إنجليزي او ساندويتش؟ ما نوع العصير الذي تفضله؟! ليردّ بدوره ويسألها عن أهم مورد طبيعي: هل لي بكأس من الماء؟ الكنز الابدي والذي كان بيوم من الايام معضلة وندرة تتسبب بموت البشر احياناً في حال عدمه او صعوبة استخراجه، الضّيف على يقين تامّ بتوفّره وبكميات فوق الحاجة، فلا يضطر لسؤالها عن ذلك حتى.. بل يطلبه بكل ثقة، وما عليه سوى الانتظار لثوان قليلة لا تكاد ان تصل العشرة واذا بالماء بين يديه، وكل ذلك وهم محلّقون في الغلاف الجوّي بعيداً عن الأرض! كيف كان للإنسان ان يحفظ ذلك الكيك من الارض، فيجهّزه ثم يشحنه على متن طائرة من الطائرات الموجودة ضمن الاسطول الجوي المدني في المطار؟، الكيك الانجليزي ذاته لا يعرف على اي طائرة سيكون! الى اين هو ذاهب! من الذي سيلتهمه؟ ثم كيف استطاع ان يحفظ الكيك ليصل للمسافر في الطائره وهو بكامل حلّته، مخبوز، محفوظ، نظيف! ليتناوله وهو طائر في الجو أثناء قراءته كتاباً؟.. في الواقع، ابتكر الانسان من الأدوات ما يساعده على التنقل، التغذية، العلاج والعيش عموماً، فقد استمر هذا الكائن في التصنيع البدائي والبسيط، وصولاً لما هو معقّد في الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، وهنا كانت قصة النجاح في اوجّها متمكّناً من عمل ما لم يتمكّن من عمله سلفاً في حياته البدائية وادواته البسيطة، حينها انطلق الانسان لصناعة الآلات المختلفة وتطويرها بما يتناسب مع مختلف احتياجاته. Your browser does not support the video tag.