حين تنطلق الرصاصة من بندقية الصيد ترتد البندقية لكتف الصياد بحسب قوة انطلاق الرصاصة من الأمام.. هذا هو بالضبط قانون نيوتن الثالث في الحركة الذي يشير إلى أن لكل فعل رد فعل مساوياً له في القوة، ومعاكساً له في الاتجاه.. وهذا القانون يفسر انطلاق الصواريخ في الفضاء، والطائرات في الأجواء، والألعاب النارية في الهواء.. ففي الهواء والفضاء لا توجد «أرض صلبة» تنطلق فوقها أو تتشبث بها فتطلق نفاثات قوية من خلفها كي تنطلق للأمام برد فعل معاكس لها.. والعجيب في الموضوع أن هذا القانون «رغم أنه فيزيائي وخاص بحركة المادة» يمكن تطبيقه أيضاً على الفرد والمجتمع ومظاهر كثيرة في الحياة.. خذ كمثال المدخنين والبدناء والكسولين الذي جربوه عشرات المرات.. يعرفون خطورة السمنة والتدخين والخمول، فيتراكم لديهم تأنيب الضمير - وعند حد معين - يقررون اتخاذ قرار حازم حيال ذلك.. يشعرون فجأة بإرادة قوية تظهر كرد فعل على فترة طويلة من التسيب والاستسلام.. ولكن إرادتهم الجديدة سرعان ما تضعف بدورها، ويتولد لديهم «رد فعل معاكس» يعودون بعده للتدخين والأكل بشراهة تساوي فترة الحرمان التي قضوها سابقاً.. يمكن ملاحظة نتائج هذا القانون حتى في تربية الأطفال، حيث يتسبب الكبت والقسوة والتشدد في ردود فعل معاكسة تظهر في شخصية الطفل حين يستقل بحياته.. لهذا السبب نلاحظ وجود حالات تحرر أو «قلة دين حسب التعبير الشعبي» لدى بعض أبناء المتشددين كرد فعل يعاكس سنوات الحرمان الطويلة التي عاشوها في سن الطفولة.. ردود الفعل المعاكسة هذه يؤيدها قول النبي صلى الله عليه وسلم (لِكُلِّ عملٍ شِرَّةٌ، ولِكُلِّ شرَّةٍ فَترةٌ) والشرة هنا هو الحماسة وقوة الإقبال، والفترة هي الفتور والتخاذل وضعف الهمة.. وهي ظاهرة تلاحظ حتى في حالات التطرف الفكري والأيديولوجي، حيث يصاب المتشدد بردة فعل تتناسب مع فترة التزمت - وقد تنتهي بالانفلات بطريقة لا تحدث لدى من ظل معتدلاً طوال حياته.. وقد يقول قائل: ولكنني أعرف أشخاصاً تركوا التدخين أو بقوا متطرفين طوال حياتهم.. وهذا أيضاً صحيح؛ لأننا في النهاية بشر، ولسنا بندقية صيد أو طائرة بوينغ.. فنحن أيضاً نملك إرادة مستقلة يمكنها التأثير على قانون نيوتن، وتخلق حالات استثناء يثبت فيها البعض على مواقفهم رغم ردود الأفعال داخلهم.. غير أن قانون نيوتن «قوي جداً» لدرجة أن الأغلبية تتراجع وتعود لسابق عهدها في رد فعل معاكس لها.. اسأل المدخن كم مرة عاد للتدخين، والبدين كم مرة عاد لوزنه القديم، في حين يخشى المتزمت إظهار تراجعه فيتورط في مظهر خارجي متحفظ ومخادع.. مجرد معرفتك بنتائج هذا القانون يمنحك فرصة التعامل معه «كطفل عنيد» لا تود استثارته بل كسب وده على المدى البعيد.. يمنحك فرصة تجاوزه بهدوء وعقلانية وتدرج لا تثير ردود فعل معاكسة لا يعرفها من يمارس حياته بوسطية واعتدال.. Your browser does not support the video tag.