عندما يهدف النقد لتحقيق شيء معين كتحفيز للإبداع واستثارة الهمم، فحري بذلك توخي الموضوعية ومراعاة جوانب عدة لا سيما المعنوية، فإذا اتخذ النقد الطابع الشمولي بمعزل عن الاستثناء من أجل الرقي بمستوى الكل بنقد الكل حتماً سيسقط، وفقاً للمضي قدماً في صفة التعميم تلك، وفي الوقت الذي تتوارى فيه عبارات تخدم النقد الموضوعي المتزن كالبعض، وفي الغالب أو الأكثرية خلف الستار قسراً فإن الكرة لن تغادر ملعب المنتقد إذا كان بصيغة الجمع وغياب الاستثناء، في حين أن نقل الكرة إلى ملعب الطرف الآخر بانسيابية وسلاسة تتحقق متى ما منح التحلي بالروح الرياضية فسحة ومتى ما منح حيزا رحبا للإنصاف لكي يأخذ موقعه، وبهذا يكون أقرب إلى تحقيق الهدف عوضا عن الشمول في التقييم، والذي يصادر الهدف بسوء استخدام الوسيلة، ولنأخذ على سبيل المثال الرياضة، فإذا تم وصف الصحافة الرياضية والمحللين بالانحياز وعدم الحيادية والتجرد فإن في هذا تجن، لأنك بما وصفت فإنه يتعين عليك قراءة كل شاردة وواردة في هذا المجال فإذا لم تقرأ كل ما كتب، فإن ما وقع عليه نظرك قطعا لا يتسق مع تقييمك، ولكي ينبني على معايير موضوعية منصفة فإنه يتوجب عليك قراءة كل ما كتب حتى ولو كان رأياً واحداً مغايراً لتصورك، حيث إن هذا الرأي سيقع عليه الظلم من خلال تقييمك المتسرع، هيمنة التأثير على الذهنية بهذه الصيغة يسهم في عزل التفكير ويحجم استقلال الإدراك حينما يدور في فلك إقصاء الرأي ومصادرته دون النظر إلى المعطيات بشكل متزن، ما يتعين وفق ذلك صدور الأحكام المتعجلة على أفكار الآخرين وقناعاتهم، وإذا كان النقد هدفه التصحيح والإصلاح وفق سياقات منطقية ووضع الأمور في نصابها، فإنّ السبيل إلى ذلك يتطلّب التحلِّي بروح الحوار وأدبياته، والبعد عن الانفعال وسلبياته، ذلك انه يسهم في تضييق الأفق ومحاصرة المخيلة في نطاق ضيق ورهنا لاضطراب النفس الأمارة بالسوء، والكل يدرك ولاريب لما لحسن الظن من دور محوري بارز في سياق التخلق بأدبيات اتزان النفس من خلال الحوار والنقاش، عدا عن إنشائه شعوراً طيباً يتيح المجال للرؤية الحصيفة، ناهيك عن اهمية مراعاة التوقيت بهذا الصدد، وحري كذلك بأن لايطغى الاختلاف على أمر ما ويقفز ملغياً احترام وجهات النظر من التداول وقيل اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، بمعنى ان الاختلاف مهما كان جلياً فإنه يندرج في هذا الإطار، لاسيما إذا مورس احترام الآراء كقيمة راسخة يحفها السلوك النبيل من كل جانب وتحيط بها واحة غناء بديعة تدعى الأريحية، ومن خلال تفعيل عنصر المرونة حجر الزاوية لجميع أنواع الحوارات والمناقشات والسبيل لتليين المواقف المتعسرة، وهي الجسر المؤدي للتصالح مع الذات ومع الآخرين. Your browser does not support the video tag.